فإنّ الواجب على هذا الفرض خروج الاولى عن الحدّ ليسلم الطرد ، ودخول الأخيرتين ليسلم العكس ، والقيد غير صالح لإفادة كلّ من هذين الأمرين ، إذ حصول العلم المستند إلى الأدلّة إن اريد به الحصول الشأني ، بأن يكون الحكم بحيث من شأنه أن يكون حاصلا بطريق النظر والاستدلال وإن لم يتوقّف عليهما بالفعل في بعض الموارد بواسطة طروّ الضروريّة ليدخل ضروريّات المذهب وضروريّات العلماء ، انتقض الطرد بدخول ضروريّات الدين أيضا لما تقدّم إليه الإشارة من سبق كونها نظريّة على صيرورتها ضروريّة ، وإن اريد به الحصول الفعليّ ليخرج ضروريّات الدين ، انتقض العكس بخروج ضروريّات المذهب والعلماء أيضا ، لعدم حصول العلم بها فعلا بطريق النظر والاستدلال ، فلا بدّ في التفصّي عن الإشكال من التزام أحد الأمرين صونا للحدّ عن الانتقاضين.
إمّا القول بخروج الضروريّات بأقسامها الثلاث عن الفقه مع إرادة الحصول الفعلي ، أو القول بدخولها أجمع فيه مع إرادة الحصول الشأني ، إلاّ أن يلتزم بمراعاة الإضافة والاعتبار مع إرادة الحصول الفعلي ، بدعوى : أنّ النظريّة والضروريّة أمران اعتباريّان إضافيّان ، فقد يكون الشيء نظريّا في زمان وفي حقّ شخص وضروريّا في زمان اخر ولشخص اخر ، وضروريّات المذهب وغيرها لطروّ الضروريّة فيها بعد التدوين في الأزمنة المتأخّرة كانت نظريّة في الصدر الأوّل بالقياس إلى أهله ، ثمّ صارت ضروريّة في الأزمنة المتأخّرة بالقياس إلى اللاحقين.
ومن الجائز أن تكون داخلة في مسائل الفقه بالقياس إلى السابقين ، لكون علمهم بها حاصلا بطريق النظر والاستدلال ، وخارجة عنها بالقياس إلى اللاحقين ـ وإن كانت مذكورة في الفقه ـ لعدم حصول علمهم بها بطريق النظر والاستدلال ، فلو اعتبر الحصول ما يكون فعليّا كان شاملا لعلم السابقين ، فتدخل في الحدّ لكونه من أفراد المحدود ، وغير شامل لعلم اللاحقين فيخرج عن الحدّ ، لعدم كونه من أفراد المحدود ، هذا غاية ما يمكن في توجيه المقام ، ولم نقف على من تعرّض له من الأعلام ، وبعد فيه نوع تأمّل.