ودعوى : أنّ للمجتهد أيضا دليلا إجماليّا بالبيان المذكور ، غفلة عمّا قدّمناه (١) من تفسير الدليل الإجمالي ، وما قدّمناه (٢) في تحقيق مسائل الفقه من أنّ البحث فيها يرجع إلى إحراز صغريات مستفادة من الأدلّة التفصيليّة بالمعنى المتقدّم ، فإنّ إجماليّة الدليل عبارة عن كون العلم الحاصل به عن وسط واحد ليس إلاّ ، جامع لشتات جزئيّات المسائل ، وما اخذ من الوسط في دليل المجتهد وإن كان واحدا بحسب المفهوم ، لكنّه واحد جنسي ينحلّ إلى أوساط متكثّرة مندرجة تحته ، اندراج الأنواع تحت جنس عامّ لها ، لكون كلّ في حدّ ذاته عنوانا كلّيا ، فالصغري المأخوذة في هذا الدليل منحلّة إلى صغريات عديدة مشتملة على محمولات متفرّقة مختلفة الحقائق ، ضرورة أنّ قولنا : « هذا ما أدّى إليه اجتهادي » بمنزلة أن يقول ـ في جملة من المسائل ـ : هذا ما أدّى إليه الكتاب ، وفي اخرى : هذا ما أدّى إليه خبر الواحد ، وفي ثالثة : هذا ما أدّى إليه الإجماع ، وفي رابعة : هذا ما أدّى إليه الظنّ المطلق وهكذا ، وهذا هو معنى استناد علم المجتهد إلى الأدلّة التفصيليّة ، وهذا كما ترى ممّا لا إجمال فيه بحسب الحقيقة ولا عبرة بالإجمال المنوط بالاعتبار ، كما أنّ التفصيليّة بهذا المعنى غير حاصلة للمقلّد.
وتوهّم كون الفتاوى المجتمعة عنده أدلّة تفصيليّة له ، يدفعه : أنّ الفتاوى المجتمعة جزئيّات حقيقيّة لعنوان واحد نوعي ، وهو مفهوم « الفتوى » الراجعة إلى علم المجتهد واعتقاده ، فليست الصغريات المفروضة هنا في الوقائع الجزئيّة مشتملة على أوساط متفرّقة مختلفة الحقائق كما لا يخفى ، فليس علم المقلّد إلاّ عن وسط واحد إجمالي جامع لشتات المسائل الجزئيّة.
وعن الثاني : بأنّ استناد العلم إلى الأدلّة التفصيليّة وحصوله منها ظاهر في الحقيقي الّذي لا يتخلّل معه بين المستند والمستند إليه واسطة ، ولا ريب أنّ استناد علم المقلّد إليها غير حقيقي.
__________________
(١) تقدّم في نفس التعليقة ، الصفحة : ١١٠.
(٢) تقدّم في التعليقة الرقم ١٣ ، الصفحة : ١٠٣.