ولا يلزم من كذب قضيّة وجود الموضوع كذب قضيّة صدق وصف المحمول على ذات الموضوع لو وجد.
وإن شئت قلت : إنّ قضيّة تجويز العقل لصدق المفهوم على كثيرين شرطيّة ، على معنى أنّه يجوّز الصدق لو وجدت الكثيرون ، فتجويز الصدق معلّق على وجود الكثيرين.
وواضح أنّ كذب الشرط لا ينافي صدق الشرطيّة ، كما أنّه لا يستلزم كذبها وحينئذ فلا يتفاوت الحال في اتّصاف المفهوم بالكلّيّة بالنظر إلى ما قبل البرهان وما بعده ، فإنّ المفهوم من حيث هو ممّا يجوّز صدقه العقل على كلّ حال ، والّذي يختلف حاله بالنظر إلى صورتي ما قبل البرهان وما بعده إنّما هو وجود الكثيرين ، فإنّه قبل قيامه لا يحكم عليه بالامتناع وبعد قيامه يحكم عليه به ، وهذا ليس من اختلاف الشيء في الكلّية والجزئيّة في شيء ، والجزئيّة امتناع تجويز الصدق على كثيرين.
وأمّا ما أورد على حدّ الكلّي بناء على أخذ « الفرض » بمعنى التجويز ، تارة : بأنّ الشبح المرئيّ من البعيد ممّا يجوّز العقل صدقه على امور عديدة مع عدم كونه كلّيا وقد نصّ الشيخ (١) بأنّ الطفل يدرك شبحا واحدا من امّه بحيث يصدق على غيرها ولذا يتخيّل أن يكون كلّ وارد عليه هي امّه ، فيصدق ذلك على كثيرين مع كونه جزئيّا حقيقيّا.
واخرى : بأنّ كلاّ من المفاهيم الجزئيّة مطابق لصوره الّتي في أذهان الجماعة فيلزم أن يكون كلّيا والذبّ عنه ـ بأنّ الكلّية والجزئيّة من العوارض الذهنيّة ، فهي إنّما تعرض المفاهيم الحاصلة في الذهن دون الامور الخارجيّة مردود ، بأنّا لا نلاحظ المفهوم المذكور من حيث وجوده في الخارج ، بل من حيث تصوّر المتصوّر له ، فإنّ ذلك المفهوم الحاصل في العقل مع كونه جزئيّا حقيقيّا منطبق على جميع تلك الصور الكثيرة الحاصلة في الأذهان العديدة ـ فواضح الدفع.
__________________
(١) حكى عنه في هداية المسترشدين : ١٨ ( الطبعة الحجرية ).