فبجميع ما ذكر يعلم أنّ ما في نهاية العلاّمة (١) من أنّ الحرف لا يدخل فيه المجاز بالذات ، لعدم استقلاله بالمفهوميّة وإنّما يفيد مع انضمامه إلى غيره ، فإن ضمّ إلى ما ينبغي ضمّه إليه فلا مجاز ، وإن ضمّ إلى ما لا ينبغي ضمّه إليه كان مجازا في التركيب لا في المفرد ، ليس بسديد ، إذ قد عرفت دخوله في المجاز لذاته أيضا ، بل هو الشائع من مجازاته.
وأضعف منه ما قيل بالقياس إلى الفعل من أنّه : « دالّ على ثبوت شيء لموضوع غير معيّن في زمان معيّن » فهو مركّب من المصدر والزمان والنسبة ، فما لم يدخل المجاز في المصدر استحال دخوله في الفعل الّذي لا يفيد إلاّ ثبوت ذلك المصدر لشيء مّا ، ولذا تنظّر فيه العلاّمة تعليلا بأنّ مجازيّة المركّب لا تنحصر في مفرد بعينه ، فجاز كون الفعل مجازا باعتبار صيغته بأن يدلّ وضعا على زمان ماض ، ويستعمل في المستقبل مجازا وليس في المشتقّ منه ... الخ (٢).
ومنه يظهر ضعف ما قيل أيضا في المشتقّ من أنّه ما لم يتطرّق المجاز إلى المشتقّ منه لم يتطرّق إلى المشتقّ الّذي لا معنى له إلاّ أنّه أمر مّا حصل له المشتقّ منه فإذن المجاز في الحقيقة إنّما هو في أسماء الأجناس ، ولذا اعترض عليه العلاّمة (٣) أيضا بمثل ما مرّ ، بقوله : إنّ المشتقّ مركّب من المشتقّ منه ومن صيغة خاصّة تدلّ على الفاعليّة والمفعوليّة ، فجاز أن يكون المجاز في الصيغة.
وأمّا ما في كلام بعض الأعلام (٤) من أنّ الأفعال والحروف فالحقيقة والمجاز فيهما إنّما هو بملاحظة متعلّقاتهما وبتبعيّتها كما في « نطقت الحال » و ( لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا ) هذا بحسب الموادّ. وأمّا الهيئة فقد يتّصف الفعل بالحقيقة والمجاز والاشتراك والنقل ، كالماضي للإخبار والإنشاء ، والمضارع للحال والاستقبال ، والأمر للوجوب والندب.
ففيه : أيضا شيء من الضعف ، فإنّ قوله : « وأمّا الهيئة » وإن كان يصرفه العبارة
__________________
(١) نهاية الوصول إلى علم الاصول : الورقة ٢٥ ( مخطوط ).
(٢) نفس المصدر السابق.
(٣) نفس المصدر السابق.
(٤) قوانين الاصول : ١.