الملازمة أيضا ، بأنّ الاستعمال في المعنى الموضوع له ربّما يتّفق بعد التجوّز بالقياس إلى خلافه ، فهو قبل طروّ هذا الاستعمال كان مجازا بدون الحقيقة ، وهذا كاف في منع الاستلزام ، ولا يشترط في حصول فائدة الوضع سبقه على سائر استعمالات اللفظ.
قال العلاّمة في النهاية (١) : ومن أغرب الأشياء اعتراف فخر الدين قبل ذلك بقليل باستلزام المجاز الوضع ، وكونه جائز الخلوّ عن الحقيقة والمجاز انتهى. وهذا كما ترى اعتراف بفساد الدليل.
ثمّ إنّ أصحاب القول بإمكان المجاز بلا حقيقة اختلفوا في وقوعه ، مع اعتراف القائلين بالوقوع بندرته.
واحتجّوا على الوقوع بوجوه لا يخلو شيء منها عن شيء.
منها : لفظ « الرحمن » فإنّه موضوع في الأصل لرقيق القلب ولم يستعمل فيه ، بل استعمل فيه تعالى مجازا ، وعلى فرض كونه موضوعا في الأصل لذي الرحمة والإحسان والفضل والامتنان ثبت المطلوب أيضا ، لعدم استعماله فيه على الوجه الّذي اخذ في الوضع ، بل استعمل فيه تعالى باعتبار الخصوصيّة مجازا ، وأيّا ما كان فيتحقّق المجاز بدون الحقيقة.
ومنها : الأفعال المنسلخة عن الزمان ، « كعسى » و « نعم » و « بئس » و « ليس » فإنّها في الأصل كانت موضوعة للاقتران بالزمان على حدّ سائر الأفعال الماضية ، ولم تستعمل إلاّ مجرّدة عن الزمان كما هو قضيّة التعبير عنها بالأفعال المنسلخة.
ومنها : نحو « قامت الحرب على ساق » و « شابت لمة الليل » من المركّبات فإنّها مستعملة في هذه المعاني مجازا ، فتكون من المجاز بلا حقيقة لفقد ما يصلح حقيقة لها.
وقد يحتجّ بهذه المذكورات على بطلان القول باستلزام المجاز للحقيقة ، فيقرّر
__________________
(١) نهاية الوصول إلى علم الاصول : الورقة ٢٦ ( مخطوط ).