ويزيّفه : مع ابتنائه على كون الوجه في دعوى فقد الحقيقة فقد أصل المعنى ، ولعلّه ليس بمراد المستدلّ ، أنّ عدم الاستعمال في غير المستعمل فيه المجازي ممّا أخذه المستدلّ مفروغا عنه ، والتعليل بفقد أصل المعنى تنبيه على أنّ هذه السالبة من جهة انتفاء موضوع القضيّة.
ومن المعلوم أنّ فرض تحقّق المعنى لا يحقّق الاستعمال الّذي هو مناط الحقيقيّة ، وفرض الاستعمال أيضا متحقّقا كفرض المعنى لا يجدي نفعا في انعقاد الحقيقيّة ، وإلاّ لأمكن بذلك التوصّل إلى حقيقيّة كلّ لفظ في معان متكثّرة.
ومنها : أنّ المركّبات لا وضع لها ، وإنّما الوضع لمفرداتها ، والتجوّز من توابع الوضع فلا مجاز إلاّ في المفردات ، فالمجاز في الفرض المذكور إمّا في المسند أو المسند إليه.
ولا ريب في ثبوت الحقيقة فيهما ، أمّا الإسناد فليس له إلاّ جهة واحدة في الكلّ لا يخطر بالبال غيرها عند الاستعمال ، فلا يتطرّق إليه التجوّز.
واعترض عليه : بأنّ البيان المذكور إنّما يتّجه في مثل « شابت لمّة الليل » فإنّ التحقيق فيه أنّ « اللمّة مجاز عن سواد الليل » و « الشيب » مجاز عن حدوث البياض فيه ، وأمّا نحو « قامت الحرب على ساق » ونظائره فلا يتّجه فيه ذلك إذ لا تجوّز في شيء من مفرداته ، بل في المركّب حيث شبّه حال الحرب بحال من يقوم ولا يقعد ، فيكون استعارة تمثيليّة ، على حدّ قولهم للمتردّد : أراك تقدّم رجلا وتؤخّر اخرى.
ويدفعه أوّلا : أنّ حاصل معنى « شابت لمّة الليل » بناء على التوجيه المذكور يرجع إلى قضيّة أن يقال : بيض سواد الليل ، وهذا ممّا لا يقبله الطبع السليم ، إلاّ بأن يعتبر مع ما ذكر من التجوّز في اللفظين ضربا من المجاز في الإسناد كما لا يخفى ، وهو خلاف مطلب المجيب ، بل هذا التوجيه ألصق برجوعه إلى الاستعارة التمثيليّة الّتي هي مجاز في المركّب لا في مفرداته ، بأن يقال : بناء على قراءة اللمّة بكسر اللام وتشديد الميم بمعنى الشعر المتدلّي الّذي يجاوز شحم الاذنين ، شبّه صورة