ومن هنا ترى أنّ التفتازاني في المطوّل عند شرح كلام الماتن المتضمّن للمذكورات ، قال : وتحقيق كيفيّة هذا المجاز وبيان أنّه أيّ نوع من أنواعه ممّا لم يحم أحد حوله ، فكما أنّ معرفة كيفيّة أنواع هذه المجازات ممّا لم يحم أحد حوله ، فكذا الالتزام بخلوّها عن العلاقة أيضا ممّا لم يحم أحد حوله ، فما تخيّل من كون ما ذكر من جملة ما خلت عن العلاقة بينها وبين معانيها الأصليّة ، تعليلا بأنّ المجاز قد يصحّ بدون العلاقة إذا نصّ الواضع بالرخصة في بعض الموارد بدونها ، ممّا لا ينبغي الالتفات إليه ، لوروده على خلاف التحقيق ، ومخالفته اتّفاق أهل النظر على انحصار مصحّح الاستعمال في الوضع والعلاقة.
وأنت إذا تأمّلت المجازات المتطرّقة إلى المشتقّات الفعليّة والاسميّة ، الّتي منها ما تقدّم ، ومنها إطلاق المشتقّ على ما انقضى عنه المبدأ ، وما اخذ فيه زمان خاصّ من الثلاث المعهودة وإطلاق الفعل معرّى عن الزمان ، وخصوص الماضي مقترنا بغير الماضي ، والمضارع مقترنا بغير المستقبل ، والخبر على الإنشاء ، وهو على الأخبار ، لوجدتها مشتملة على العلاقة الّتي لا يكاد يتبيّن نوعها ، وعليه فلا داعي في مجاز صحيح مشتمل على العلاقة ـ بمعنى الاتّصال المدرك بالوجدان ـ الخفيّ وجهها على الأنظار إلى ارتكاب تكلّفات بعيدة وتمحّلات باردة في استعلام وجهها ، كما اتّفق نظير ذلك في « اليد » للقوّة عمّن جعله من باب إطلاق السبب أو المسبّب الصوريّين ، وفي إطلاق « الطبخ » على الخياطة في قوله :
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخة |
|
قلت اطبخوا لي جبّة وقميصا |
حيث صارت الأنظار مضطربة فيه ، فمنهم من زعمه من المجاورة بعد ما جعلها أعمّ منها في الخارج ـ كما في إطلاق « السلطان » على الوزير ـ وفي الخيال كما في إطلاق أحد الضدّين على الاخر لكونهما كالمتلازمين في التصوّر ، وفي الذكر ويعبّر عنها حينئذ « بالمشاكلة » أيضا بالتفسير المتقدّم ، وهو التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في جنبه ، كما في إطلاق « الطبخ » على الخياطة.
ومنهم من جعله من باب المجاورة في الخيال ، لأنّ خياطة الجبّة والقميص