ومن هنا يضعّف ما قد يقال ـ في تقرير الجواب المذكور ـ : من أنّ واضع المشترك إنّما صدر عنه الوضع ليترتّب عليه غاية الدلالة على المعنى بنفسه ، كما هو مفاد « لام الغاية ». ولا ريب أنّ انتفاءها لمانع الاشتراك لا يقضي بانتفاء الوضع ، إذ ربّ فعل لا يترتّب عليه الغاية المطلوبة منه لمانع ، فإنّ الواجب في مثل ذلك تعلّل الفعل بالغاية لا فعليّة ترتّب الغاية عليه.
ووجه الضعف : أنّ الفعل إنّما يعلّل بغايته المطلوبة منه إذا كانت الغاية معلوم الحصول أو مرجوّه.
وأمّا مع العلم بعدم اتّفاق حصولها أصلا فيستحيل في الحكمة تعلّله بها ، وإلاّ كان لغوا منافيا لحكمة الفاعل ، فالوجه المذكور إنّما يجري فيما لو حصل الاشتراك بوضع من لم يلتفت إلى وضع اخر ، وإن كان هو الفاعل للوضع الاخر ، فإنّ رجاء حصول الغاية ممكن حصوله منه ، ويصحّ معه فعل الوضع الموجب للإشتراك عقلا.
وأمّا الملتفت إلى الوضع الاخر ، فهو عالم بعدم ترتّب فائدة الدلالة على المعنى بنفس اللفظ على ما يصدر منه من فعل الوضع ، فيقبح فعله حينئذ لو صدر لأجل تلك الغاية ، وعلى فرض صدوره والحال هذه كشف عن كونه قاصدا لغاية اخرى وهي الدلالة على المعنى بمعونة الغير ، ويلزم منه انتقاض العكس حسبما زعمه المعترض.
والثاني : منع انتفاء الدلالة في المشترك عند تجرّده عن القرينة ، فإنّه بمجرّده يدلّ على جميع معانيه دلالة واحدة ، وإنّما يفتقر إلى ملاحظة القرينة تعيين ما هو المراد منها لا أصل الدلالة ، لأنّ الإجمال والتردّد حاصل في المراد دونها ، بخلاف المجاز فإنّ المفتقر إلى القرينة فيه إنّما هو أصل الدلالة ، وهذا هو التحقيق في الجواب.
وإن كان دعوى الدلالة على الجميع بالمعنى المقصود في تعريف الوضع ليست على ما ينبغي ، والّذي يحصل من الدلالة بالقياس إلى الجميع ليس بمقصود هنا ، وإلاّ بطل الفرق بين الحقيقة والمجاز.