وقضيّة ذلك كون معنى « دلالته عليه » الدلالة من حيث إنّه مراد ومقصود للافظة وليس له معنى محصّل إلاّ التصديق بإرادته.
وإنّ حجج الفريق الثاني الّتي أقاموها على نفي مدخليّة الإرادة كلّها مطبقة على نفيها عن مجرّد الفهم التصوّري ، فإنّهم احتجّوا تارة : بالألفاظ الصادرة عن النائم والساهي والهازل الدالّة على معانيها مع انتفاء الإرادة رأسا.
واخرى : بالمجازات الدالّة على معانيها المجازيّة ، بواسطة دلالتها على معانيها الحقيقيّة الغير المرادة.
وثالثة : بالكنايات بالقياس إلى الملزومات الغير المرادة ، المستعمل فيها المدلول عليها.
ورابعة : بالألفاظ المنقوشة الدالّة على المعاني مع انتفاء الإرادة.
وخامسة : بالألفاظ الّتي اختلف فيها الاصطلاح ، فإنّ أهل كلّ اصطلاح إنّما يفهمون منها المعنى الّذي اصطلحوا عليه ، وإن كان المستعمل لها أهل اصطلاح اخر.
ألا ترى أنّ المتشرّعة إذا سمعوا لفظ « الصلاة » يتبادر إلى أذهانهم المعنى الشرعي ، ولو كان المستعمل من أهل اللغة وأراد منه المعنى اللغوي.
وسادسة : بالدلالات التضمّنيّة والالتزاميّة اللتين من الدلالات الوضعيّة ، ولا يعقل فيهما اعتبار الإرادة ، لأنّ التضمّن فهم الجزء في ضمن الكلّ ، والالتزام فهم اللازم في ضمن الملزوم.
وهذه الوجوه يزيّفها : أنّ مفادها بالنسبة إلى الدلالة بمعنى التصوّر حقّ ولا منكر له من هذه الجهة ، ويبقى ما دخل فيه الإرادة سليما عمّا ينافيه.
والظاهر أنّ مبنى الاحتجاج بالوجوه المذكورة ، على توهّم كون « الدلالة » في مفهوم الوضع عبارة عن مجرّد الفهم التصوّري الحاصل ابتداء.
وقد تبيّن فساده ، وإلاّ بطل الفرق بين الحقائق والمجازات ، لاستناد هذه الدلالة في الجميع إلى نفس اللفظ.