عقلا ، ومنع جوازه من البشر لو كان هو الواضع ، لما في الواضع من وجوب الحكمة ولو بشرا ، فيستحيل الوضع المذكور على تقدير قبحه على القولين معا.
حجّة القول بالتوقيف : مضافا إلى بعد اهتداء العقول إلى مثل هذا الاختراع المشتمل على دقائق الحكم ولطائف البدع من دون توقيف من الله تعالى ، وجوه عمدتها قوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها )(١) بتقريب : أنّ « الاسم » هنا محمول على ما يتبادر منه في العرف العامّ ، وهو اللفظ الموضوع لمعنى ، ويحتمل كونه محمولا على معناه اللغوي أعني العلامة ، بناء على كونه من الوسم والسمة لهذا المعنى ، فيراد به هاهنا ما يرادف المعنى العرفي ، باعتبار أنّ كلّ لفظ موضوع علامة لمعناه الموضوع له ، من حيث كشفه عنه وإيجابه انتقال الذهن إليه ، فالأسماء لظهوره في العموم بل نصوصيّته فيه هاهنا بقرينة تأكيده بما هو نصّ فيه يشمل جميع الألفاظ الموضوعة ، حتّى ما هو من مقولة الأفعال والحروف.
وبذلك يندفع ما قد يتوهّم من كون الدليل أخصّ من المدّعى لعدم تناول الأسماء للأفعال والحروف ، فإنّ خطاب الشرع لا ينزّل على الامور الاصطلاحيّة ، والاسم في العرف واللغة لا يختصّ بما يختصّ به في اصطلاح النحو المحدث ، وربّما يستشهد لإرادة ما ذكر من المعنى مع عمومه بما اشتهر من أنّ الله تعالى أنزل على ادم عليهالسلام حروف المعجم في إحدى وعشرين صحيفة ، وهي أوّل كتاب انزل إلى الدنيا وفيه ألف لغة ، وأنّه تعالى علّمه جميع تلك اللغات.
وقد روى عن أبي ذر الغفاري رضى الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : قلت له يا رسول الله صلىاللهعليهوآله كلّ نبيّ مرسل بم يرسل؟ قال بكتاب منزل ، قلت : يا رسول الله أيّ كتاب أنزل الله تعالى على ادم؟ قال كتاب المعجم ، قلت : أيّ كتاب المعجم ، قال ا ب ت ث وعدّها إلى اخره.
وفي تفسير الإمام العسكري عليهالسلام عن عليّ بن الحسين عليهالسلام في معنى الاية ، علّمه أسماء كلّ شيء وفيه أيضا أسماء أنبياء الله وأوليائه وعتاة أعدائه.
__________________
(١) البقرة : ٣١.