بالإنباء في قولهم : ( سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )(١) وإنّما أراد الله بذلك تنبيههم على خطائهم في زعمهم أنّهم أفضل من ادم ، كما يشعر به قولهم : ( أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ )(٢) بعد ما أخبرهم تعالى ب ( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) توهّما منهم أنّه كالخلق السابق في عدم الفضيلة عليه ، ولذا وصفوه بالإفساد وسفك الدماء.
وممّا يشعر بما نبّهنا عليه من قرب ادم عليهالسلام عنده تعالى ، وعلوّ رتبته لديه ، قوله تعالى : ( إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ )(٣) أي إنّي أعلم فيه من الفضيلة وعلوّ الرتبة ما لا تعلمون ، وقوله أيضا : ( فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ )(٤) أي أعلم غيب السموات والأرض الّذي من جملته فضيلة ادم عليهالسلام عليكم ، حيث خفي عنكم ، وأعلم ما تبدونه من إسناد الإفساد وسفك الدماء المنبئين عن الخذلان ، وما كنتم تكتمونه من دعواكم أنّكم أفضل منه.
هذا ، ولكنّ الّذي يقتضيه الإنصاف أنّ الاية لا يستفاد منها إلاّ انتفاء الواضعيّة عن ادم عليهالسلام من دون تعرّض فيها للواضع وتعيينه.
وبالجملة لا قاضي فيها لا بنفسها ولا بسياقها المقتضي للتفضيل ـ حسبما فصّلناه ـ بأنّ واضع اللغات لا بدّ وأن يكون هو الله سبحانه ، لا بنحو النصوصيّة ولا بنحو الظهور ، أمّا عدم دلالتها بنفسها فواضح ، وأمّا عدم دلالتها بسياقها فلوضوح أنّ مجرّد استعداد تعلّم اللغة ، بل وفعليّة تعلّمها بل وإنباء الملائكة بها ، ليس له مزيد دخل في تلك الفضيلة لينتقل بها إلى انتفاء هذه الامور عن غير ادم عليهالسلام من خلق سابق أو لا حق ، المستلزم لانتفاء الواضعيّة عنه أيضا ، ولا أنّها بمجرّدها ممّا اعتبرها الله تعالى كاشفا عمّا في ادم عليهالسلام من القرب المعنوي وعلوّ الرتبة ، بل الكاشف عن ذلك لعلّه ما ظهر لهم بإنبائه عليهالسلام إيّاهم بأسماء العقلاء على حسب ما
__________________
(١) البقرة : ٣٢.
(٢) البقرة : ٣٠.
(٣) البقرة : ٣٠.
(٤) البقرة : ٣٣.