علّمه اصول العلوم والصناعات ، وسائر ما يحتاج إليه النوع في إصلاح المعاش والمعاد ، وإن استقلّ بنفسه بتفريع امور كثيرة ، وترتيب اثار جديدة عليها.
وكيف كان ، فاللغة داخلة في التعليم لوجود المقتضي وهو العموم ، وفقد المانع.
وفيه أوّلا : منع وجود المقتضي ، لما سيأتي تحقيقه من أنّ الموصول لا يفيد العموم إلاّ في موضع ليس المقام منه ، وهو ما إذا تضمّن معنى الشرط.
وثانيا : منع اندراج اللغة في العموم ، لمكان الشكّ في كونها ممّا لم يعلم إلاّ بتوقيف الله عزّ وجلّ ـ كما هو محلّ البحث ـ من باب الشبهة في المصداق ، وليس مفاد الاية أنّ كلّما علمه الإنسان فهو بتعليمه تعالى إلاّ ما خرج بالدليل ، بل كلّما لم يستقلّ بعلمه ممّا تعلّق بمعاشه أو معاده فعلمه به إنّما نشأ من تعليمه تعالى ، ولم يثبت اندراج اللغة في هذا العنوان فلا يتناولها العموم.
وثالثا : منع منافاته لاصطلاحيّة اللغة على تقدير اندراجها فيه ، فإنّ اختراع اللغة ووضعها لا بدّ من معرفة طريقهما ، وإذا فرض كون حصولها بتعليم الله عزّ وجلّ كانت اللغة داخلة في العموم بهذا الاعتبار ، فيكون الاية دليلا على ضدّ المطلوب أو مجملة فتسقط عن درجة الدلالة.
ورابعا : منع ثبوت أصل المطلوب بمجرّد ذلك ، وهو كون وضع اللغة من الله عزّ وجلّ كما هو المتنازع ، لجواز كونها من موضوعات غيره تعالى من خلق سابق ، حسبما تقدّم الإشارة إليه.
وممّا احتجّ به أيضا ، قوله تعالى : ( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ )(١) بتقريب : أنّه تعالى ذمّ عبدة الأوثان في تسميتهم المسمّيات المعيّنة من عند أنفسهم ، فلو لا أنّ التسمية واللغات توقيفيّة لم يكن لذلك وجه.
وفيه أوّلا : النقض بحصول التسمية من غير جهة التوقيف في الأعلام الشخصيّة والامور الاصطلاحيّة والمخترعات العرفيّة ، فإن قيل بكون ذلك نقضا
__________________
(١) النجم : ٢٣.