أنفسنا وملاحظة حالات سائر أهل العرف ، علمنا انّه لم يعهد أحد في معاني الألفاظ الموضوعة سوى الامور الخارجيّة ، من دون أن يتوجّه النفس ولا تلتفت إلى الصور الذهنيّة ولو إجمالا ، فالمعهود في « أكلت الخبز » ونظائره ممّا لا يحصى والمركوز في أذهان العقلاء ، إنّما هو الأكل الواقعي المتعلّق بالخبز الواقعي ، من دون توجّه النفس إلى صورتهما المنطبعة في الأذهان ، كما هو واضح.
مضافا إلى أنّ المعلوم بالاستقراء القطعي وقوع الاستعمالات الدائرة في المحاورات على الامور الخارجيّة ، على معنى الخارجة عن الذهن المعبّر عنها بالمعاني الواقعيّة ، ولم يعهد فيها ما وقع على الصورة الذهنيّة ، فلو صحّ أنّ الألفاظ كانت موضوعة للصور الذهنيّة مع عدم وقوع استعمالها فيها ، كانت بأسرها أو بأكثرها مجازات بلا حقيقة ، وهذا واضح الفساد.
وإلى بعض ما ذكرنا يرجع احتجاج أهل القول بالوضع للامور الخارجيّة بتعلّق الأحكام بالامور الخارجيّة ، فإنّ من قال : « دخلت الدار ، وأكلت الخبز ، وشربت الماء ، وبعت العبد ، وأخذت الدرهم ، واشتريت الدابّة » ونحو ذلك ممّا لا يحصى ، إنّما يريد بذلك كلّه الامور الخارجيّة دون الصور الذهنيّة ، فعلم أنّ الألفاظ موضوعة لها دون الصور.
وتوهّم أنّ تلك الألفاظ استعملت في الامور الخارجيّة مجازا من باب المشاكلة لوجود القرينة الصارفة ، بعيد بل مقطوع بفساده ، فإنّ ذلك يفضي إلى انسداد باب الحقيقة بالمرّة ، وارتكاب التجوّز في الألفاظ بالكلّية ، وهو باطل بالاتّفاق.
ودفعه تارة : بأنّ الاستعمال في جميع هذه الموارد استعمال مع القرينة ، فإنّ الأكل والشرب والبيع والأخذ والشراء من لوازم الفرد ، ويشهد له أنّه لو قيل الخبز أو الماء أو الدار لا يفهم منه الموجود الخارجي ، فلو لم يتحقّق المنافاة في موضع لا نسلّم استعمالها في الخارجيّات.
واخرى : بمعارضته بالألفاظ الكثيرة الّتي موضوعاتها المعدومات الممكنة