ولا ريب أنّ الترتيب بهذا المعنى لا يتأتّى إلاّ بعد إحراز ما يكون مطلوبا يعمل النظر في طلبه من جهة كونه مجهولا قبل النظر ، وقد وقع الإشارة إلى اعتبار ذلك في مواضع من التعريف :
أحدها : لفظ « التوصّل » الّذي لا بدّ له ممّا يتوصّل إليه.
وثانيها : لفظ « النظر » الّذي لا بدّ له ممّا ينظر له.
وثالثها : لفظ « المطلوب » بتقريب : أنّ وقوعه غاية يقتضي كون مطلوبيّته محرزة قبل اعتبار المغيىّ ، وهذا المعنى كما ترى غير حاصل فيما بين الكلام اللفظي ومدلوله ، لأنّ اللفظ ما يكشف عن مدلوله كشفا ابتدائيّا من دون سبق دعواه ولا اطّلاع عليه تفصيلا وإجمالا.
وهذه الدعوى ممّا لا مدفع لها ، ولا يمكن منعها في الدليل الاصطلاحي ، بل لا اختصاص لاعتبار هذا الشرط بمصطلح الاصولي كما يظهر بأدنى تأمّل في بعض ما ذكر ، فما في كلام غير واحد من دفعها بمنع اعتبار ما ذكر في الدليل ليس على ما ينبغي ، كما أنّه كذلك ما قيل في دفعها من نقضه بالإجماع الّذي نهوضه دليلا منوط بالكشف عن قول المعصوم ، فإنّ المعترض لا ينكر كون دلالة الدليل في بعض أقسامه من باب الكشف ، كالدليل الإنّي الّذي مبنيّ على ذلك ، ووجوده ممّا لا يقبل الإنكار ، بل الأدلّة النقليّة بأسرها والعقليّة في موضع يكون حكم العقل إدراكا لمجعول الشارع لا جعلا لما سكت عنه الشارع منوطة بذلك ، فما توهّم من كلامه من أنّه بصدد إنكار ما يكون من الأدلّة إنيّا واضح الضعف.
نعم يتوجّه إليه في هذا الاعتراض منع الملازمة الّتي يدّعيها ، بناء على جعل الكتاب من باب الكلام اللفظي والحكم من باب الكلام النفسي ، فإنّ الكلام اللفظي ـ خبريّا كان أو إنشائيّا ـ يكشف تارة عن قيام مدلوله وهو النسبة ـ خبريّة كانت أو إنشائيّة ـ بذهن المتكلّم ، واخرى عن مطابقة ذلك المدلول للواقع إذا كان خبريّا وتعلّقه بالسامع مثلا إذا كان إنشائيّا ، ومعنى كشفه عنهما إفادته الاعتقاد بهما علما أو ظنّا.