التفصيليّة الّتي منها الكتاب وهو أيضا خطاب الله ، فلو اخذ الحكم المستفاد منه بمعنى خطاب الله لزم كونه متّحدا مع دليله.
ومبنى هذا الإيراد على توهّم كون المراد بالخطاب المأخوذ في مفهوم الحكم بهذا المعنى ما هو من مقولة اللفظ ، ولعلّ منشؤه ما تقدّم عن جماعة من التصريح بكون المراد به هنا الكلام الموجّه ، أو ما وقع به الخطاب.
ويشكل بما أشرنا إليه من أنّ أصل هذا التعريف من الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي ، ولم يعهد أخذ « الأحكام » في الحدّ بهذا المعنى عن غيرهم ، فلم لا يجوز أن يكون ذلك منهم بناء على مذهبهم في الكلام النفسي فحينئذ لا يتوجّه إليهم الإيراد المذكور.
ومن هنا عزي إليهم الفرق في دفع الإشكال بين الخطابين بكون أحدهما من مقولة الكلام اللفظي وهو الدليل ، والاخر من مقولة الكلام النفسي وهو المدلول فلا اتّحاد ، ولكن اعترض عليه بوجوه :
منها : ما تفرّد به بعض الأعلام (١) من أنّه يلزم حينئذ كون الكتاب كاشفا عن المدّعى لا مثبتا للدعوى ، فلا يكون دليلا في الاصطلاح.
وأوضحه في حواشيه بأنّ الدليل في اصطلاح الاصوليّين هو ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري ، فإذا كان الخطاب هو المبيّن للكلام النفسي والمظهر له أوّلا من دون سبق اطّلاع عليه لا إجمالا ولا تفصيلا ، فأين المطلوب الخبري الّذي يعمل النظر في الكتاب لتحصيله ، فلا بدّ أن يسبق الدعوى على الدليل ، ولو سبقا إجمالا حتّى يطلب من الدليل.
ووافقه على هذا الاعتراض بعض الأعاظم (٢) وملخّصه : أنّ الدليل بحسب الاصطلاح يعتبر فيه سبق الدعوى ، الّذي لازمه صدق عنوان المطلوبيّة على النتيجة الحاصلة منه ، لوضوح أنّه ما يقع فيه النظر الّذي هو ترتيب امور معلومة للتأدّي إلى مجهول.
__________________
(١) قوانين الاصول : ٥.
(٢) إشارات الاصول : ٢.