وتوهّم استلزامه التكليف بلا مكلّف فاسد ، نشأ عن الخلط بين التكليف ومادّته ، فإنّ الطلب النفساني بمجرّد انعقاده في النفس لا ينعقد تكليفا ما لم يستكمل شرائط التكليف الّتي منها : وجود المطلوب منه ، ومنها : علمه بانعقاد ما في النفس الّذي هو مادّة التكليف ، ضرورة : أنّه إذا انعقد في النفس يبقى تعلّقه بالمطلوب منه مراعى على علمه بالانعقاد ، المتوقّف على وجوده ، وبعد علمه بالانعقاد أيضا لا ينعقد تكليفا إلاّ بعد استكماله سائر الشروط ، وهي القدرة على الفعل والعقل والبلوغ وإن لم يتوقّف عليها أصل ماهيّة الطلب المتوقّفة على تحقّق جهتي القيام والتعلّق.
ومن هنا صار التحقيق عندنا حصول الفرق بين الشرائط الأربع المقرّرة للتكليف ، بكون العلم من شروط تعلّقه الخارجي بالمطلوب منه والثلاث الأخير من شروط صحّته ، فما لم يتحقّق هذه الامور كلاّ أم بعضا لم ينعقد ما في النفس تكليفا ، ولذا أمكن الجمع بين مقالة الأشاعرة بقدم الكلام النفسي وكون التكليف حادثا ، لجواز كون القائم بالنفس قديما مع كون التكليف حادثا بحدوث جهة التعلّق ، ولا ينافيه تسميته طلبا ، وهو لا يتحقّق إلاّ بتحقّق طرفيه اللذين أحدهما التعلّق ، إمّا لبنائهم على أنّه الطلب حقيقة بدعوى : أنّه يكفي في انعقاده طلبا مع قيامه بالنفس إضافته في الذهن بحسب لحاظ الطالب إلى المطلوب منه ، ولا يعتبر فيه التعلّق الخارجي به ، ووجوده مع علمه بالمعنى القائم بالنفس شرط لتعلّقه الخارجي لا لصحّة إضافته إليه في الذهن ، كما يشعر به قولهم بقدمه ، أو إنّه العمدة ممّا ينعقد به الطلب كما يساعد عليه النظر ، وإطلاق التكليف الواقعي عليه في بعض الأحيان إنّما هو لأوله إليه ، وإلاّ فهو حكم واقعي ولا ملازمة بينه وبين التكليف.
ومعيار الحكم الواقعي أنّه مدلول الصيغة ومفادها باعتبار الوضع ـ ولو ثانويّا ـ حسبما لاحظه الواضع أو يلاحظه المستعمل ، فإنّ الملحوظ في كلّ منهما إنّما هو المعنى القائم في النفس المعرّى عن جهة التعلّق من غير دخولها في الوضع