نعم ملاحظة المعنى الأعمّ ربّما توجد في كلام الاصوليّين في بعض المسائل الاصوليّة كما في بحثي صيغة الأمر والنهي ، حيث ينازعون بالقياس إلى الاولى في كونها للوجوب أو الندب أو الإباحة ، أو للأوّلين أو الثلاث على الاشتراك لفظا أو معنى ، وبالقياس إلى الثانية في كونها للتحريم أو الكراهة ، أو لهما على الاشتراك لفظا أو معنى ، إذ لا ريب أنّ نظرهم في هذين البحثين ليس إلاّ في إثبات مفهوم اللفظ لغة وعرفا ، ولا يكون ذلك إلاّ إذا اخذ المبحث على الوجه الأعمّ ، غير أنّه لا مدخل لذلك في طريقة الفقهاء ، ولا ينبغي تنزيل مصطلحهم على ذلك جزما ، وإن اريد اعتبارها في المراد من اللفظ هنا وإن خرجت عن المصطلح عليه فليس ذلك حملا على مصطلح الفقهاء ، والكلام على هذا الفرض لا غير.
وأمّا الثاني : فلأنّ مجرّد خروج الوضعيّات عن كونها من مجعولات الشارع لا يجدي في إصلاح الحدّ ، وحفظه عن انتقاض عكسه ما لم يثبت خروجها عن الأحكام الشرعيّة أيضا ، بل وعن المسائل الفقهيّة أيضا ، فإنّ التكليفيّات قد ثبت فيها عناوين ثلاث : كونها مجعولات الشارع أصالة ، وكونها أحكاما شرعيّة أصالة ، وكونها من المسائل الفقهيّة أصالة ، وما ذكر في دفع الإشكال إنّما يجدي بعد نفي هذه الجهات عن الوضعيّات بل نفي الجهة الثالثة خاصّة ، ولعلّ الخصم ينكر الجميع أو ينكر نفي الأخيرتين أو نفي الأخيرة خاصّة ، إذ لا منافاة بين كون شيء من توابع المجعول لا من المجعول وكونه من الأحكام الشرعيّة مستقلّة ، كما لا منافاة بين كون شيء من توابع الأحكام الشرعيّة لا نفسها وكونه من المسائل الفقهيّة ، لا من توابعها ، ولا سيّما الوضعيّات الّتي لا يبحث عنها إلاّ في فنّ الفقه وفي الكتب الفقهيّة ، ولا يبيّنها إلاّ الفقيه بل ليس بيانها إلاّ من شأن الفقيه ، وكونها من التوابع مع أنّها بتلك المثابة ، وأنّ المباحث اللاحقة والأبواب المدوّنة لها أكثر ممّا يرجع إلى التكليفيّات بمراتب شتّى ، لعلّه بعيد.
ثمّ دعوى : عدم خروجها على تقدير الحمل على التكليفيّات لأولها إليها غير واضحة المراد ، فإن اريد بأولها إليها أنّها وإن كانت امورا متأصّلة ثابتة في محالّها