وقد حدّد لنا الإمام أبو جعفر باقر العلم عليهالسلام معنى الراسخين في العلم ، فقال عليهالسلام : (الراسخون في العلم من لا يختلف في علمه) (١).
وهذا التحديد يلتقي تماما مع التحديد الوارد في الآية الكريمة. حيث ورد فيها مقابلة الرسوخ في العلم بقوله تعالى في وصف الفئة الاُخرى (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) فكان الرسوخ في العلم هو الثبات وعدم الاختلاف والارتياب (الزيغ) عند العالم.
ويزيد الأمر توضيحاً ما ورد عن الإمام الكاظم عليهالسلام أنّه قال لهشام بن الحكم (ت / ١٩٩ هـ) : ( .. يا هشام أنّ اللّه حكى عن قوم صالحين أنّهم قالوا : (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)(٢) علموا أنّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها.
إنّه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه ، ومن لم يعقل عن اللّه لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلاّ من كان قوله لفعله مصدقاً ، وسرّه لعلانيته موافقاً ، لأنّ اللّه تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلاّ بظاهر منه ، وناطق عنه)(٣).
ففي كلام الإمام عليهالسلام تحديد للرسوخ بقوله : (من لم يعقل عن اللّه) وذلك (أن الأمر ما لم يعقل حقّ التعقّل لم تنسد طرق الاحتمالات فيه ولم يزل
__________________
(١) أصول الكافي ١ : ٢٤٥ / ١ باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر من كتاب الحجّة.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٨.
(٣) أصول الكافي ١ : ١٨ / ١٢ من كتاب العقل والجهل ، وابن شعبة الحرّاني / تحف العقول : ٣٨٨.