البحث الثالث : أسباب ودوافع الثورة
إنّه من الصعب أن نقف على جميع الأسباب لثورة امتدّت في عمق الزمن ، ولا زالت تنبض بالدفق والحيويّة ، مثيرة في النفوس روح الإباء والتضحية ، وتأخذ بيد الثائرين على مرّ الزمن بالاستمرار في طريق الحقّ وبذل النفس والنفيس لبلوغ الأهداف السّامية ، إنّها الثورة التي أحيت الرسالة الإسلاميّة بعد أن كادت تضيع وسط أهواء ورغبات الحكّام الفاسدين ، وأثارت في الاُمّة الإسلاميّة الوعي حتّى صارت تطالب بإعادة الحقّ إلى أهله وموضعه.
إنّ أفضل ما نستخلص منه أسباب ودوافع الثورة الحسينيّة هي النصوص المأثورة عن الحسين الثائر عليهالسلام وكذا آثار الثورة ، إلى جانب معرفتنا بشخصيّته عليهالسلام ، فها هو الحسين عليهالسلام يخاطب جيش الحرّ بن يزيد الرياحي الذي تعجّل لمحاصرته ، ولم يسمح له بتغيير مساره قائلاً :
«أيّها النّاس ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : مَنْ رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أنْ يدخله مدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشّيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ مَنْ غَيّر ، وقد أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، وإنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن تمّمتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، نفسي مع أنفسكم ، وأهلي