لا يؤمن بيوم الحساب» (١).
لقد أبى القوم إلاّ الإصرار على حربه والتمادي في باطلهم ، وأجابوه بمثل ما أجاب به أهل مدين نبيَّهم كما حكى الله (عزّ وجلّ) عنهم في كتابه الكريم : (مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً) (٢).
الحرّ يُخيّر نفسه بين الجّنة والنّار
وتأثر الحرّ بن يزيد الرياحي بكلمات الإمام الحسين عليهالسلام وندم على ما سبق منه معه ، وراح يدنو بفرسه من معسكر الحسين تارة ويعود إلى موقفه أخرى ، وبدا عليه القلق والاضطراب. وعند ما سُئل عن السّبب في ذلك قال : والله ، إنّي أُخيِّرُ نفسي بين الجّنة والنّار ، وبين الدنيا والآخرة ، ولا ينبغي لعاقل أن يختار على الآخرة والجنّة شيئاً. ثمّ ضرب فرسه والتحق بالحسين عليهالسلام ، ووقف على باب فسطاطه ، فخرج إليه الحسين عليهالسلام ، فانكبَّ عليه الحرّ يُقبّل يديه ويسأله العفو والصّفح ، فقال له الحسين عليهالسلام : «نعم ، يتوب الله عليك وهو التّواب الرحيم». فقال له الحرّ : والله لا أرى لنفسي توبة إلاّ بالقتال بين يديك حتّى أموتَ دونك. وخطب الحرّ في أهل الكوفة ، فوعظهم وذكّرهم موقفهم من الإمام عليهالسلام ، ودعوتهم له ، وحثّهم على عدم مقاتلة الإمام عليهالسلام ، ثمّ مضى إلى الحرب فتحاماه النّاس ، ثمّ تكاثروا عليه حتّى استشهد (٣).
المعركة الخالدة
حصّن الإمام عليهالسلام مخيّمه ، وأحاط ظهره بخندق أوْقَد فيه النار
__________________
(١) الإرشاد ٢ / ٩٨ ، إعلام الورى ١ / ٤٥٩.
(٢) سورة هود / ٩١.
(٣) الإرشاد ٢ / ٩٩ ، الفتوح ٥ / ١١٣ ، بحار الأنوار ٥ / ١٥.