ليمنع المباغتة والالتفاف عليه من الخلف ، وليحميَ النساء والأطفال من العدوان المحقّق.
نظر شمر بن ذي الجوشن إلى النار في الخندق فصاح : يا حسينُ ، تعجّلت النار قبل يوم القيامة. فردّ عليه : «أنت أولى بها صِلِيّاً» (١). وحاول صاحب الحسين عليهالسلام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم ، فاعترضه الإمام ومنعه قائلاً : «لا ترمه ؛ فإنّي أكره أن أبدأهم» (٢).
ويقول المؤرخون : إنّ بعض أصحاب الإمام خطب بالقوم بعد خطبة الإمام الاُولى ، وإنّ الإمام عليهالسلام أخذ مصحفاً ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم ، فخاطبهم للمرّة الثانية بقوله : «يا قوم ، إنّ بيني وبينكم كتاب الله ، وسنّة جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله». ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة وما عليه من سيف النبيّ صلىاللهعليهوآله ودرعه وعمامته ، فأجابوه بالتصديق ، فسألهم عمّا أقدمهم على قتله ، قالوا : طاعةً للأمير عبيد الله ابن زياد. فقال عليهالسلام : «تبّاً لكم أيتها الجماعَةُ وترحاً! أحين استصرختمونا (٣) والهين ، فأصرخناكم موجفين ، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم ، وحَشَشْتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم ، فأصبحتم إلباً (٤) لأعدائكم على أوليائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلاّ ـ لكم الويلاتُ! ـ تركتمونا والسيفُ مشيم ، والجأش طامن ، والرأي لمّا يستحصفْ ، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدَّبا (٥) ، وتداعيتم عليها كتهافُتِ الفراش ، ثمّ نقضتموها ، فسُحْقاً لكم يا عبيدَ الأُمّة ، وشُذّاذَ الأحزابِ ، ونبذة الكتابِ ، ومحرّفي الكلِمِ ، وعصبة الإثمِ ، ونفثةَ الشّيطان ، ومطفئي السُنَنِ ، ويْحَكم! أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون؟! أجل والله
__________________
(١) مقتل الحسين ـ للمقرّم / ٢٧٧.
(٢) مقتل الحسين ـ للمقرّم / ٢٧٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣١٨.
(٣) استصرختمونا : طلبتم نجدتنا.
(٤) إلباً : مجتمعين متضامنين ضدّنا.
(٥) الدَّبا : الجراد الصغير.