غدرٌ فيكم قديم ، وشجت عليه اُصولكم ، وتأزّرت فروعكم ، فكنتم أخبثَ ثمر شجىً للناظر ، وأكلةً للغاصب. ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين ؛ بين السِّلة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة! يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون ، وحجورٌ طابت وطَهُرَتْ ، واُنوفٌ حميةٌ ، ونفوسٌ أبيّةٌ من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا وإنّي زاحف بهذه الاُسرة على قلّة العدد ، وخذلان الناصر. ثمّ أنشدَ أبياتِ فروة بن مسيك المرادي :
فاِنْ نَهْزِمْ فهزّامون قِدْماً |
|
وإن نُهْزَمْ فغيْرُ مهزَّمينا |
وما إن طبَّنا جُبْنٌ ولكن |
|
منايانا ودولةُ آخرينا |
فَقُلْ للشامتين بنا أفيقوا |
|
سَيَلْقى الشامتون كما لقينا |
إذا ما الموتُ رَفَّعَ عن اُناس |
|
كلاكله أناخ بآخرينا (٤) |
أما والله ، لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يُركبُ الفرس حتّى تدور بكم دور الرَّحى ، وتقلق بكم قلق المحور ؛ عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (٢) ، (تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣)». ثمّ رفع يديه نحو السّماء وقال : «اللّهمّ احبس عنهم قطر السّماء ، وابعث عليهم سنينَ كسنيّ يوسف ، وسلِّطْ عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبَّرةً ؛ فإنّهم كذّبونا وخذلونا وأنت ربّنا عليك توكلّنا وإليك المصير» (٤).
كلّ ذلك وعمر بن سعد مُصرّ على قتال الحسين عليهالسلام ، والإمام الحسين عليهالسلام يحاور وينصح ويدفع القوم بالتي هي أحسن. ولمّا لم يجدِ النصح مجدياً قال لا ابن سعد : «أيْ عمر ، أتزعم أنّك تقتلني ويولّيك الدعيّ بلاد الرّيّ وجرجان؟
__________________
(١) تاريخ ابن عساكر ٦٩ / ٢٦٥ ، اللهوف في قتلى الطفوف ـ ابن طاووس / ٥٩ و١٢٤.
(٢) و (٣) سورة يونس / ٧١. سورة هود / ٥٦.
(٤) مقتل الحسين ـ للمقرّم / ٢٨٩ ـ ٢٨٦ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ٢ / ٦ ، تاريخ ابن عساكر ، ترجمة الإمام الحسين عليهالسلام / ٢١٦ ، راجع إعلام الورى ١ / ٤٥٨.