فتفرّق عنه ذوو الأطماع وضعاف اليقين ، وبقيت معه الصفوة الخيّرة من أهل بيته وأصحابه ، ولم يخادع ولم يداهن في الوقت الذي كان يعزّ فيه الناصر.
وقبل وقوع المعركة أذن لكلّ مَنْ كان قد تبعه من المخلصين في الانصراف عنه قائلاً : «إنّي لا أعلم أصحاباً أصحّ منكم ولا أعدل ، ولا أفضل أهل بيت ، فجزاكم الله عنّي خيراً. فهذا الليل قد أقبل ، فقوموا واتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد صاحبه ، أو رجل من إخوتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل ، وذروني وهؤلاء القوم ؛ فإنّهم لا يطلبون غيري ، ولو أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم» (١).
والحقّ أنّ مَنْ يطالع كلّ تفاصيل نهضة الإمام الحسين عليهالسلام سيجد الصّدق والصّراحة ، والجرأة في كلّ قول وفعل في جميع خطوات نهضته المباركة.
٧ ـ عبادته وتقواه عليهالسلام :
ما انقطع أبو عبد الله الحسين عليهالسلام عن الاتّصال بربّه في كلّ لحظاته وسكناته ، فقد بقي يجسّد اتّصاله هذا بصيغة العبادة لله ، ويوثّق العُرى مع الخالق جلّت قدرته ، ويشدّ التضحية بالطاعة الإلهية متفانياً في ذات الله ومن أجله ، وقد كانت عبادته ثمرة معرفته الحقيقية بالله تعالى.
وإنّ نظرة واحدة إلى دعائه عليهالسلام في يوم عرفة تُبرهن على عمق هذه المعرفة وشدّة العلاقة مع الله تعالى ، وننقل مقطعاً من هذا الدعاء العظيم :
قال عليهالسلام : «كيف يُستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من
__________________
(١) الفتوح ٥ / ١٠٥ ، وتأريخ الطبري ٣ / ٣١٥ ، وأعيان الشيعة ١ / ٦٠٠.