وحديث عبد الأعلى وما تضمّنه من قول عليّ بن حنظلة : إنه قد أحكم المسألة باعتبار ما فهمه من قوله عليهالسلام من الأجوبة وقوله عليهالسلام بما قال.
وحينئذ ، فكيف يتمّ ما ذكره كلّيا في جميع الأحكام؟ على أنّا لا ننكر صحّة ما ذكره في بعض الأحكام ، إلّا إنه لا يتمّ له كليا في كل مقام.
الثالث : أن ما ذكره وكرّره في غير موضع (١) من كتابه المشار إليه ـ من أن الاختلافات الواقعة بين الأخباريين منحصر في العمل بالأخبار الواردة في مورد التقيّة ؛ بأن يكون أحد المخالفين عمل على خبر ، والآخر على خبر آخر ، ولكن أحد الخبرين قد خرج مخرج التقيّة ، وأن اختلاف مجتهدي أصحابنا إنّما نشأ من الاستنباطات الظنّية ـ فإن فيه أن حصر خلاف الأخباريين فيما ذكره أمر يكذبه العيان ودعوى عريّة من البرهان ، فإنه لا يخفى على من تتبع كلام الأخباريين من المتقدّمين ما وقع لهم من الاختلافات في فهم معاني الأخبار ، وتعيّن ما هو المراد منها في ذلك المضمار ، وجلّ الاختلافات الواقعة بين علمائنا الأبرار مجتهدهم وأخباريّهم إنما نشأت من اختلاف الأنظار في مبادئ الإدراك لتلك الأحكام ، وتفاوت الأفهام المفاضة من الملك العلّام ، فإن منها كالبرق الخاطف ، ومنها كالساكن الواقف ، وبينهما مراتب لا يخفى على الفطن العارف. ولا بأس بالإشارة إلى جملة من المواضع التي وقع الاختلاف فيها بين الأخباريين ، والذي يخطر بالبال في الحاضر مواضع : الأوّل (٢) أخبار التثنية الواردة في الوضوء ، فإن ثقة الإسلام في (الكافي) حملها على من لم تقنعه المرة لغسله (٣) ، والصدوق حمل بعضا منها على
__________________
(١) الفوائد المدنية : ١٣٦ ـ ١٣٧.
(٢) الأرقام من (الأوّل) إلى (الحادي عشر) وردت في «ح» بهيئة (أ .. يا).
(٣) الكافي ٣ : ٢٧ / ذيل الحديث : ٩.