ولا يخفى عليك ما في الثانية من الصراحة في المراد.
والظاهر أن المراد بكونها «ثقة» في الرواية الاولى ، أي ممن يوثق بإخبارها ، وتسكن النفس إلى كلامها ؛ وهي التي ربما عبر عنها في غير هذا الموضع بالمأمونة ، ومرجعه إلى عدم كونها متّهمة ، لا الوثاقة بمعنى العدالة. ومع ذلك فالظاهر حملها على الاستحباب جمعا بين الأخبار ، لاستفاضتها بأنها مصدقة على نفسها مطلقا ، بل ظاهر بعضها تصديقها في مقام التهمة ، كما يشير إليه قوله في رواية البزنطي : (فيقع في قلبي أن لها زوجا) ، إلى غير ذلك من القواعد التي يقف عليها المتتبّع حقّ التتبّع للأخبار ، والله العالم.
تتمة مهمة في ذكر بعض القواعد الفقهيّة
قد اشتهر في كلام جملة من الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ قواعد اخر بنوا عليها الأحكام ، مع كون جملة منها ممّا يخالف ما هو الوارد عنهم عليهمالسلام ، وجملة أخرى ممّا لم يوجد له مستند في المقام. وها أنا اورد منها ما حضرني ممّا خطر على البال ، فأقول :
قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة
الأولى : قولهم : (إنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة) (١) مع أنه قد استفاضت النصوص عنهم عليهمالسلام في مواضع منها في تفسير قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢) بما يدفع هذه القاعدة ، حيث قالوا ـ صلوات الله عليهم ـ : «إنّ الله عزوجل قد فرض عليكم السؤال ، ولم يفرض علينا الجواب ، بل ذلك إلينا إن شئنا أجبنا وإن شئنا أمسكنا» (٣).
__________________
(١) انظر : معارج الاصول : ١١١ ، مبادئ الوصول إلى علم الاصول : ١٦٦.
(٢) النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧.
(٣) لم نعثر عليه بنصه ، انظر بصائر الدرجات : ٣٨ ، ب ١٩.