لضيق الصدور ، لا تناكر فيها بينهم في ورود ولا صدور ، وقد صارت سنة مستحسنة جارية بينهم ، ومع هذا يذمون ويزرون على من يصلّي في الموضع المشار إليه آنفا ، وهو ـ كما عرفت من الأخبار وكلام الأصحاب ـ من وظائف السنن. فانظر إلى ما يأتي به هذا الدهر المعكوس والزمن المنكوس من جعل السنن بدعا ، والبدع القبيحة سننا :
يا ناعي الإسلام قم فانعه |
|
قد مات عرف وأتى منكر |
أقول : وقد نقل بعض علماء الرجال أن عبد الله بن مسكان هو (١) أحد أجلاء أصحاب الصادق عليهالسلام كان يمتنع من الدخول عليه خوفا ألّا يوفيه حقه من الإجلال والإعظام ، وإنما يروي عنه بالواسطة (٢). فانظر إلى من عرف حقوقهم عليهمالسلام كيف بلغت بهم المراقبة لهم والتعظيم لحقوقهم إلى أي مبلغ ، فما ظنك بمن يفعل هذه الحقارات في بيوتهم بمحضرهم. ولكن أين القلوب المستضيئة بمصابيح النصائح ، والألباب المستنيرة بذلك والقرائح؟ ومن تدبر في الروايات الواردة في كيفية زيارته عليهالسلام وما ينبغي أن يفعله الزائر من حين خروجه من بيته إلى أن يأتي لزيارته (٣) ، ظهر له صحة ما ذكرناه وحقية ما سطرناه.
ولعل السر فيما ورد في بعض الأخبار (٤) من الأمر للزائر بالانصراف بعد الزيارة وعدم اتخاذه وطنا ، هو الخوف من الوقوع في أمثال هذه الحقارات الغير المناسبة ، والجراءات التي تصير بها الأعمال ذاهبة ، بحصول القسوة في القلب الموجبة لقلة الاحترام ، كما وقع لهؤلاء ، وإن كانوا من العلماء الأعلام.
__________________
(١) في «ح» : الذي.
(٢) خلاصة الأقوال : ١٩٤ / ٦٠٧.
(٣) ثواب الأعمال : ١١٤ / ٢١ ، كامل الزيارات : ٢٥٢ / ٣٧٦ ، بحار ٩٨ : ١٤٠ / ٢.
(٤) كامل الزيارات : ٢٥٢ / ٣٧٦ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٥٢٨ ، أبواب المزار وما يناسبه ، ب ٧١ ، ح ٢ ، ب ٧٧ ، ح ١ ـ ٥.