إلى أن قال : فبينما أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية ، فأخبره بخلاف ما أخبرني (١) وأخبر صاحبي ، فسكنت نفسي وعلمت أن ذلك منه تقية.
ثم التفت إلى فقال : «يا بن أشيم ، إن الله فوّض إلى سليمان بن داود ، فقال (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢) ، وفوض إلى نبيه صلىاللهعليهوآله فقال (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٣) ، فما فوض إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقد فوض إلينا» (٤).
ولعلك بمعونة ذلك تعلم أن الترجيح بين الأخبار بالتقية بعد العرض على (الكتاب) العزيز أقوى المرجحات ، فإن جل الاختلاف الواقع في أخبارنا بل كله عند التأمل والتحقيق إنما نشأ من التقية. ومن هنا دخلت الشبهة على جمهور متأخري أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ فظنوا أن هذا الاختلاف إنما نشأ من دس أخبار الكذب في أخبارنا ، فوضعوا الاصطلاح المشهور في تنويع الحديث إلى الأنواع الأربعة ؛ ليتميز به صحيحها من سقيمها ، وغثّها من سمينها. وقوّى الشبهة فيما ذهبوا إليه شيئان :
أحدهما : رواية مخالف المذهب وظاهر الفسق والمشهور بالكذب من فطحي وواقفي وزيدي وعامي وكذاب وغال ونحوهم.
وثانيهما : ما ورد عنهم عليهالسلام من أن «لكل رجل منا رجل يكذب عليه» (٥) ، وأمثاله (٦) ممّا يدل على دس بعض الأخبار الكاذبة في أحاديثهم عليهمالسلام.
__________________
(١) كذا في المصدر ، مع أن المتكلّم وهو موسى بن أشيم لم يسأل الإمام عليهالسلام.
(٢) ص : ٣٩.
(٣) الحشر : ٧.
(٤) الكافي ١ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ / ٢ ، باب التفويض إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ..
(٥) اختيار معرفة الرجال : ١٠٤ / ١٧٤.
(٦) بحار الأنوار ٢ : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ١١ ، ١٣ ـ ١٤.