الذي ذكره الحسن البصري؟ إذ المدح والذم والثواب والعقاب لا تناط بمجرّد الإطلاقات اللفظية من حيث هي وإنما تناط بالمعاني ، ولا شبهة في أن الفصل بين الصحيح والرديء في الجملة من حيث هو فصل وتميّز ليس بمحرّم ولا مكروه ، وإنما الحرام أو المكروه فصل خاص يقع من بعض الصيارفة.
ويقرب من هذا الكلام ما ذكره بعض الأعلام في هذا المقام حيث قال : (حاصل الاستشهاد أنه ليس في لفظ الصيرفي ولا في معناه ما يوجب مقالة الحسن البصري ، لتحققها في أهل الكهف وغيرهم من الصلحاء ؛ أما اللفظ فظاهر ، وأمّا في المعنى ، فلأن معنى [الصيرف] (١) هو المحتال المتصرّف في الامور على ما صرّح به أهل اللغة (٢) ، وذلك مشترك بين أصحاب الكهف باعتبار تصرّفهم في الكلام وتمييز الصحيح منه من الفاسد واختيار الصحيح للعمل ، وصيارفة الدراهم باعتبار تصرفهم (٣) في الدنانير والدراهم وتبديلها وتميزهم بين الجيّد والزيف.
وإذا كان النقد ممّا لم ينه الشارع كما نبّه عليه عليهالسلام بقوله : «خذ سواء وأعط سواء» ، كان كتصرف أصحاب الكهف في الكلام ، فلا قصور في الصيرفي من حيث هو صيرفي ولا من حيث هو صيرفي دراهم ، بل القصور لو كان في تصرفه الخاص) انتهى.
وبالجملة ، فإن لفظ الصيارفة لمّا كان واقعا على كل من المعنيين المتقدّمين ، والمدح والذمّ لا [يناطان] (٤) بمجرّد الإطلاق ، بل بالمعاني المرادة من تلك الألفاظ ، فكل ما يترتّب على صيارفة الدراهم من مدح وذمّ باعتبار الوقوف على
__________________
(١) من الصحاح ، وفي النسختين : الصرف ، وفي مجمع البحرين : الصيرفي.
(٢) الصحاح ٤ : ١٣٨٦ ـ صرف ، مجمع البحرين ٥ : ٨٠ ـ صرف.
(٣) الدراهم باعتبار تصرفهم ، سقط في «ح».
(٤) في النسختين : يناط.