وقد ذكر جمع من الأصحاب (١) ـ رضوان الله عليهم ـ أن المراد بالتهمة هنا : الظنّ المستند إلى القرائن الحالية والمقالية الدالّة على أن المقرّ لم يقصد بإقراره الإخبار عن حقّ متقدّم ، وإنّما أراد تخصيص المقرّ له بما أقرّ به وحرمان الوارث من حقّه أو بعضه والتبرع به للغير ، فلذلك جرى مجرى الوصيّة في النفوذ من الثلث خاصة.
والظاهر أن المراد من العدالة في كلامهم هو ما أشار إليه في صحيحة منصور ابن حازم وموثّقة أبي أيّوب بقوله عليهالسلام : «مرضيّا» ، أي يعتمد على قوله ولا يظنّ به التهمة وقصد حرمان الورثة بإقراره. وهو المراد أيضا من قوله عليهالسلام في رواية العلاء بياع السابري : «إن كانت مأمونة».
وبالجملة ، فإنه لمّا كان الميّت ليس له من ماله بعد الموت إلّا الثلث خاصّة ، وما زاد فهو للوارث ، منع من تصرّفه فيه بالوصيّة ونحوها.
وحينئذ ، فإذا اعترف بالدين الذي مخرجه من حيث هو من الأصل ؛ لتعلّقه بالذمّة ، وجب التفصيل فيه بما دلّت عليه هذه الأخبار ، بأنه إن كان مرضيّا مأمونا ، له ديانة وورع يحجزه عن مخالفة الحدود الشرعيّة والأوامر الإلهيّة ، وجب العمل بظاهر اعترافه وأخرج من الأصل ، وإلّا فإنما يخرج من الثلث.
وبهذا يظهر ما في كلام جملة من الأصحاب (٢) من أن الإقرار إنّما يكون من الثلث مع ظهور التهمة ، ومع الشكّ والجهل بالحال يرجع فيه إلى أصالة عدمها فيجب الخروج من الأصل ؛ فإنه خلاف ظاهر الخبرين المذكورين ، حيث إنهما صريحان في كون الإخراج من الأصل مشروطا بكون المقرّ مرضيّا مأمونا ، ومقتضاه أنه مع الجهل وعدم العلم بوجود الشرط أو العلم بعدم وجوده يكون
__________________
(١) كفاية الأحكام : ١٥١.
(٢) مسالك الأفهام ١١ : ٩٧.