إليها ما يردّ هذه الدعوى ، وبيّنا أن الاختلاف الواقع بينهم على حسب الاختلاف الواقع بين المجتهدين ، من أنه ربّما نشأ من اختلاف الأخبار ، وربّما نشأ من اختلاف الأفهام ، الذي هو السبب التام في أكثر الأحكام.
وبالجملة ، فإن كلامه يدور في جميع هذه الوجوه على الاجتهاد بمعنى الأخذ بالآراء والظنون المستندة إلى غير (الكتاب) والسنّة ، وهو حق لو كان إطلاق الاجتهاد مخصوصا بهذا المعنى ، وإلّا فالاجتهاد ـ على ما عرّفوه ـ إنّما هو عبارة عن استفراغ الوسع في تحصيل الأحكام من أدلتها الشرعيّة (١).
والخلاف بين المجتهدين والأخباريين هاهنا ـ في التحقيق ـ يرجع إلى تلك الأدلة ، فالأخباريّون يخصّونها بـ (الكتاب) والسنّة ، أو بالسنّة (٢) وحدها على رأي بعضهم (٣). والمجتهدون يفسّرونها في الاصول بالأربعة المشهورة ، وإن كانوا في الكتب الاستدلالية يناقشون فيما عدا (الكتاب) والسنّة ، كما تقدم ذكره في المقام وفي غير موضع من الدرر المتقدّمة في هذا الكتاب.
وحينئذ ، فتعريف الاجتهاد صادق على من اقتصر في استنباط الأحكام على (الكتاب) والسنّة وإن كان الأخباريون يتحاشون عن التعبير به ؛ للطعن على المجتهدين ، وهو في غير محلّه كما لا يخفى على المنصف.
وكيف كان ، فمع فرض خروج بعض المجتهدين في بعض جزئيّات الأحكام عن الأخذ بـ (الكتاب) والسنّة والعمل بالاستنباطات الظنّية المحضة ، فهو لا يوجب طعنا في أصل الاجتهاد بالمعنى الذي ذكرناه ، كما أن بعض الأخباريّين لو خرج في فهمه الخبر عن كافة أفهام العلماء الأعلام ، بحيث يصير ذلك غلطا
__________________
(١) معارج الاصول : ١٧٩ ، مبادئ الوصول إلى علم الاصول : ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، الوافية : ٢٤٣.
(٢) في «ح» : السنة.
(٣) منية الممارسين : ٨٩.