قذف المحصنات حجابا من اللعنة ، والانتهاء عن شرب الخمور تنزيها من الرجس ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفّة ، والتنزّه عن أكل أموال الأيتام والاستيثار بفيئهم إجارة من الظلم ، والعدل في الأحكام إيناسا للرعية ، والتبري من صفة الشرك إخلاصا للربوبية (١).
فاتقوا الله حقّ تقاته ، وأطيعوه فيما أمركم به فـ (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢) واحمدوا الله الذي بعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة ، ونحن وسيلته في خلقه ، ونحن خاصّته ومحل قدسه ، ونحن حجته في غيبه ، ونحن ورثة أنبيائه».
ثمّ قالت : «أنا فاطمة بنت محمد ، أقول عودا على بدء ، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا ، فاسمعوا (٣) بأسماع واعية ، وقلوب راعية ، (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤) فإن (٥) تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم ، وأخا ابن عمّي دون رجالكم ، فبلّغ الرسالة صادعا بالنذارة ، مائلا عن سنن المشركين ، آخذا بأكظامهم ، يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يهشم الأصنام ، ويفلق الهام ، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر ، وحتّى تعرّى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقائق الشياطين ، وتمّت كلمة الإخلاص ، وكنتم على شفا حفرة من النار ، نهزة الطامع ، ومذقة الشارب ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون الورق ؛ أذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، حتّى أنقذكم الله برسوله (٦) ، بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني بهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب ، (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا
__________________
(١) من قولها عليهاالسلام السابق : والثناء بما قدّم المار في الصفحة : ٣٥٦ إلى هنا ليس في شرح نهج البلاغة.
(٢) فاطر : ٢٨.
(٣) في «ح» بعدها : إليّ.
(٤) التوبة : ١٢٨.
(٥) من هنا إلى قولها : ووخز السنان في الحشا ، الآتي في الصفحة : ٣٦٠ ، وردت في شرح النهج : ١٦ : ٢٥٠ ـ ٢٥١.
(٦) من «ح» ، وفي «ق» : ورسوله.