وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ ) (١).
أمَّا قوله تعالى : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (٢) فالكلام فيها بنفس ما تقدَّم ؛ لأن الخطاب كان شاملا للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضاً ، فمن الممنوع عقلا وشرعاً أن يعقد الصحابة مشورة من دون الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو بينهم ، فإذا تحتّم دخول الرسول معهم ـ وهو الحاكم المطاع ـ فتخرج الشورى حينها عن موضوع تعيين الحاكم كما تقدَّم في الآية الأولى ، فتكون الآية حثَّت على الشورى فيما يمتُّ إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أمرهم.
أمَّا كون تعيين الإمام داخلا في أمورهم فهذا هو أوَّل الكلام ، وعلى أقل تقدير إذ لا ندري هل أن أمر الإمام هو من شؤون المؤمنين أم من شؤون الله سبحانه ، ومع هذا الترديد لا يصحُّ التمسُّك بالآية.
فهذه الآيات التي ذكرتيها لا يستفاد منها أكثر من رجحان التشاور بين المؤمنين في أمورهم ، كما أن التشاور لا يمكن أن يكون في القضايا التي ورد فيها تحديد شرعيٌّ ، فليس لأحد صلاحيَّة في قبالة تشريعات الله ، قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (٣) ، وقال : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً ) (٤).
__________________
١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٥٩.
٢ ـ سورة الشورى ، الآية : ٣٨.
٣ ـ سورة القصص ، الآية : ٦٧.
٤ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٦.