وقد عرفت أنّ مرادهم فيه مئونة السنة ، ولذا ادّعى الإجماع على ذلك ، وقد عرفت التحقيق في ذلك ، وأنّ الأمر كذلك ، فلا يبقى للتأمّل مجال ، ولو لم يسلّم المصنّف ذلك ، كان المذاهب أكثر ممّا ذكره بلا شكّ ، فيكون اللازم على المصنّف اختيار المطلق لا المقيّد بخصوص الدوام الذي لا دليل له ولا مؤيّد ، لكن عرفت التحقيق (١) ، والله العالم بأحكامه.
ثمّ اعلم! أنّ الظاهر من «المبسوط» إنّ ما نسب إلى «الخلاف» ليس مذهبه ، بل مذهب غيره ، وصرّح بذلك ابن إدريس (٢) ، وهو أعرف به ، وليس عندي «الخلاف».
وكيف كان ، هو مذهب فاسد صرّح في أخبارنا بطلانه ، والشيخ قائل بتلك الأخبار بلا شبهة في جميع كتبه غير «الخلاف» ، وطريقته أيضا معروفة في العمل بأمثال هذه الأخبار ، هذا أيضا يؤيّد ابن إدريس ، ولم ينسب إلى غيره ، مع أنّه صرّح في «المبسوط» (٣) بما صرّح ، وكيف كان لا شبهة في فساده.
واستدلّ عليه بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمعاذ : «أعلمهم أنّ الصدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردّ إلى فقرائهم» (٤).
والسند والدلالة كما ترى ، وبأنّه يجب عليه دفعها ، فلا يجوز له أخذها للتنافي بينهما ، وفيه أنّ التنافي المذكور ليس بيّنا ولا مسلّما ، ويظهر من الأخبار بأنّه يرتفع التنافي المستبعد.
على أنّا نقول : ظهر من الدليلين أنّ المراد نصاب تعلّق به الزكاة ، ووجبت فيه
__________________
(١) راجع! الصفحة : ٣٨٧ ـ ٣٩٠ من هذا الكتاب.
(٢) السرائر : ١ / ٤٦٢.
(٣) لاحظ! المبسوط : ١ / ٢٥٦.
(٤) صحيح البخاري : ١ / ٤٣٠ الحديث ١٣٩٥.