وقال : تؤدب النفوس بالرياضات ، والقلوب بالمعارف.
وقال : مات بمكة سنة سبع وستين وثلاثمائة.
وذكر أبو عبد الرّحمن السلمي قال (١) : لمّا همّ الأستاذ أبو القاسم النصرآباذي بالحج ، وتهيّأ له خرجت معه إلى الحج سنة ست وستين وثلاثمائة ، وكنت مع الأستاذ أي منزل نزلناه أو بلدة دخلناها يقول لي : قم حتى تسمع الحديث ، وكان مع جلالته وكثرة ما عنده من [العلم] يحمل المحبرة والبياض ، ويحضر سماع الحديث ، ويطلب أهله ، وكان ـ رحمهالله ـ شديد الحرص على كتابته والحبّ له.
ولما دخلنا بغداد قال لي : قم بنا نذهب إلى أبي بكر بن مالك القطيعي ـ رحمهالله ـ وكان عنده إسناد حسن ، وكان له ورّاق قد أخذ من الحاج شيئا ليقرأ لهم ، وفي مجلسه خلق من الحاجّ وغيرهم ، فلما دخلنا عليه قعد الأستاذ ناحية من القوم ، والورّاق يقرأ فأخطأ ، فردّ عليه الأستاذ فنظر إليه الورّاق شزرا ، فأخطأ أيضا في شيء فردّ عليه أيضا ، فنظر الورّاق إليه شزرا ، والبغداديون لا يحتملون من أهل خراسان أن يردّوا عليهم شيئا ، فلما كان في المرة الثالثة ردّ عليه ، قال الوراق : يا رجل إن كنت تحسن تقرأ فتعال فاقرأ ـ كالمستهزئ به ـ فقام الأستاذ وقال : تأخر قليلا ، وأخذ الجزء من يده ، وأخذ يقرأ قراءة تحيّر ابن مالك ومن حوله تعجّبا منه ، فلما فرغ من ذلك الجزء أخذ في جزء آخر وهكذا في الجزء الثالث والشيخ ساكت لا يصرف طرفه عنه تعجبا منه حتى حان وقت الظهر.
قال : فسألني الورّاق من هذا الرجل؟ قلت : الأستاذ أبو القاسم النّصرآباذي فقام الورّاق وقال : أيها الناس هذا شيخ خراسان أبو القاسم النصرآباذي ، وقد كتب الحديث هاهنا وأقام ببغداد خمس عشرة سنة ، فقرأ في مجلس واحد ما كان يريد الورّاق أن يقرأه في خمسة أيام.
ولما دخلنا البادية كان كلما نزل عن راحلته في سيره ، لا تفارقه المحبرة والمقلمة والبياض ، فرأيته ونحن في رحل المفسر ، وفي كمّه المحبرة والمقلمة والبياض والأجزاء ، فقلت : أيها الأستاذ في هذا الموضع والناس يخففون عن أنفسهم؟ فقال : يا
__________________
(١) الخبر في مختصر ابن منظور ٤ / ١٠٧ ـ ١٠٨ وذكره في السير مختصرا (١٦ / ٢٦٦).