يا أمير المؤمنين امرأته طالق إن كان يعرف (١) من أقوالهم شيئا ، ولا يعرف إلّا الله ومحمد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإنما أنا رجل رأيتهم مجتمعين ، فظننت صنيعا يغدون إليه ، فضحك المأمون ، وقال : يؤدّب (٢).
وكان إبراهيم بن المهدي قائما على رأس المأمون فقال : يا أمير المؤمنين هب لي أدبه (٣) ، أحدّثك بحديث عجيب عن نفسي ، فقال : قل يا إبراهيم ، قال : يا أمير المؤمنين خرجت من عندك يوما في سكك بغداد متطرّبا ، حتى انتهيت إلى موضع ـ سمّاه ـ فشممت يا أمير المؤمنين من جناح أبا زير قدور قد فاح طيبها ، فتاقت نفسي إليها وإلى طيب ريحها ، فوقفت على خيّاط ، وقلت له لمن هذه الدار؟ فقال : لرجل من التجار من البزازين ؛ فقلت : ما اسمه؟ قال : فلان بن فلان ، فرميت بطرفي إلى الجناح فإذا في بعضه شباك ، فأنظر إلى كفّ قد خرج من الشباك قابضا على بعضه ، فشغلني ـ يا أمير المؤمنين ـ حسن الكفّ والمعصم عن رائحة القدور ، فبقيت هاهنا ساعة ثم أدركني ذهني ، فقلت للخياط : هل هو ممن يشرب النبيذ؟ قال : نعم ، وأحسب عنده اليوم دعوة ، وليس ينادم إلّا تجارا مثله مستورين.
فإني كذلك إذ أقبل رجلان نبيلان راكبان من رأس الدرب ، فقال الخياط هؤلاء منادموه ، فقلت : ما أسماؤهما وما كناهما؟ فقال : فلان وفلان ، وأخبرني بكناهما ، فحركت دابّتي وداخلتهما وقلت جعلت فداكما قد استبطأكما أبو فلان أعزّه الله وسايرتهما حتى أتينا إلى الباب فأجلّاني وقدّماني فدخلت ودخلا ، فلما رآني معهما صاحب المنزل لم يشكّ أني منهما بسبيل ، أو قادم قدمت عليهما من موضع ، فرحّب وأجلسني في أفضل المواضع ، فجيء ـ يا أمير المؤمنين ـ بالمائدة وعليها خبز نظيف ، وأتينا بتلك الألوان ، فكان طعمها أطيب من ريحها ؛ فقلت في نفسي : هذه الألوان قد أكلتها ، بقيت الكفّ أصل إلى صاحبتها ، ثم رفع الطعام وجيء بالوضوء ، ثم صرنا إلى منزل المنادمة ، فإذا أشكل منزل يا أمير المؤمنين ، وجعل صاحب المنزل يلطفني ،
__________________
(١) مطموسة بالأصل ، والمثبت عن م وانظر مروج الذهب.
(٢) زيد عند المسعودي : على فرط تطفله ومخاطرته بنفسه.
(٣) مروج الذهب : ذنبه.