والجهد ، ههنا ، بضم الجيم : المشقة ، والجهد بفتح الجيم وضمها بمعنى الاجتهاد ، وقال الفراء (١) : هو بفتح الجيم : المشقة ، وبضمها : الطاقة.
وقولهم : على بدئه ، متعلق بعوده ، أو ، برجع ، والحال مؤكدة ، والبدء مصدر بمعنى الابتداء ، جعل بمعنى المفعول ، أي : عائدا على ما ابتدأه ، ويجوز أن يكون «عوده» مفعولا مطلقا لرجع ، أي رجع على بدئه عوده المعهود ، كأنه عهد منه أنه لا يستقرّ على ما ينتقل إليه ، بل يرجع إلى ما كان عليه قبل ، فيكون كقوله تعالى : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ)(٢) ، فلا يكون من هذا الباب ،
وقال أبو عليّ : ان هذه المصادر منصوبة على أنها مفعولات مطلقة للحال المقدرة قبلها ، أي : أرسلها معتركة العراك ، وافعله مجتهدا جهدك ، ومطيقا طاقتك ، ومنفردا وحدك ، أي انفرادك ، ورجع عائدا عوده ، وكلها مضافة إلى الفاعل ، فلهذا حذف الفاعل وجوبا ، كما مرّ في باب المفعول المطلق ؛ (٣) فهذه المصادر ، وإن قامت مقام الأحوال : منتصبة على المصدرية ، كما ينتصب على الظرفية ، ما قام مقام خبر المبتدأ من الظروف ، نحو : زيد قدّامك ولا يعرب إعراب ما قام مقامه ؛
وقوله : أرسلها العراك ، صدر بيت للبيد ، ويروى : فأوردها العراك ، قال :
١٨٢ ـ فأرسلها العراك ولم يذدها |
|
ولم يشفق على نغص الدّخال (٤) |
يصف الحمار والأتن (٥) ، والدّخال في الورد : أن يشرب البعير ، ثم يردّ من العطن (٦) إلى الحوض ، ويدخل بين بعيرين عطشانين ليشرب منه ما عساه لم يكن شرب ، ويقال :
__________________
(١) من زعماء الكوفيين واسمه يحيى بن زياد ويتكرر ذكره في هذا الشرح ،
(٢) الآية ١٩ سورة الشعراء
(٣) ص ٣٠٥ من الجزء الأول
(٤) البيت كما قال الشارح من شعر لبيد بن ربيعة ، وقد شرحه بما لا يحتاج إلى مزيد ،
(٥) يريد حمار الوحش ؛ والأتن جمع أتان وهي أنثاه ؛
(٦) العطن مبرك الإبل ،