والثالث : أن يظن السامع به تجوّزا ، لا في أصل النسبة ، بل في نسبة الفعل إلى جميع أفراد المنسوب إليه ، مع أنه يريد النسبة إلى بعضها ، لأن العمومات المتخصصة كثيرة ، فيدفع هذا الوهم بذكر «كله» ، و: «أجمع» وأخواته ، و: «كلاهما» ، وثلاثتهم وأربعتهم ، ونحوها ؛
فهذا هو الغرض من جميع ألفاظ التأكيد ؛
قوله : «أمر المتبوع» ، أي ما يتعلق به من نسبة الفعل المذكور إليه ، أو كونها شاملة عامة له ، فالتكرير لفظا أو معنى يقرر ما يتعلق بالمتبوع من اتصافه بكونه منسوبا إليه الفعل ؛ وألفاظ الشمول تقرر ما يتعلق بالمتبوع ، من اتصافه بكون ما نسب إليه عامّا لأجزائه شاملا ، وقوله : «في النسبة أو الشمول» ، بيان للأمر المراد به صفة المتبوع وشأنه ، كما يقال : شأنك في العلوّ أعظم من أن يوصف ، وأمري في الفقر ظاهر ، أي : في باب العلوّ ، وباب الفقر ؛
فالمعنى يقرر أمر المتبوع في باب كونه منسوبا إليه ، وفي باب كون النسبة شاملة عامة لأفراده ؛
فعلى هذا ، يخرج عن حدّ التأكيد ، نحو قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ، إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ)(١) ، فإن «اثنين» و «واحد» ، وإن قررا وحققا أمر متبوعهما ، وهو الاثنينيّة والوحدة ، لكن لم يكن ذلك الأمر من باب كون المتبوع منسوبا إليه الاتخاذ الذي في قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا) ، ولا من باب شمول الاتخاذ للالهين ؛ وكذا في قوله تعالى : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ»)(٢) فلفظ «واحدة» لم تقرر كون «نفخة» منسوبا إليها قوله : «نفخ» ولا كون النفخ شاملا لآحاد النفخة ، إذ لا آحاد لها ؛
وقد أورد المصنف الاعتراض على نفسه بنفخة واحدة ، فقال : إن لفظة «واحدة» تقرر الوحدة التي في «نفخة» فيجب أن تكون تأكيدا ؛ وأجاب بأن «نفخة» وإن دلّت
__________________
(١) الآية ٥١ سورة النحل وتكررت
(٢) الآية ١٣ سورة الحاقة ، وتكررت ؛