قوله : له عليّ دينار إلا دانقا ، للعلم بأن «دانقا» مخرج من الدينار ، والباقي بعده هو المقرّبه ، وإن قلنا انه داخل في القوم ، و «إلّا» لإخراجه منهم بعد الدخول ، كان المعنى : جاء زيد مع القوم ، ولم يجيئ زيد ، وهذا تناقض ظاهر ينبغي أن يجنّب كلام العقلاء عن مثله ، وقد ورد في الكتاب العزيز من الاستثناء شيء كثير ، كقوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً)(١) ، فيكون المعنى : لبث الخمسين في جملة الألف ، ولم يلبث تلك الخمسين ؛ تعالى الله عن مثله علوّا كبيرا ؛
فقال (٢) بعضهم : نختار أنه غير داخل ، بل القوم في قولك. جاء القوم ، عام مخصوص ، أي أن المتكلم أراد بالقوم جماعة ليس فيهم زيد ، وقوله الا زيدا ، قرينة تدل السامع على مراد المتكلم ، وانه أراد بالقوم غير زيد ؛
وليس بشيء ، لإجماع أهل اللغة على أن الاستثناء مخرج ، ولا اخراج إلا مع الدخول ، وأيضا ، يتعذّر دعوى عدم الدخول في قصد المتكلم في نحو : له عليّ عشرة إلا واحدا ، لأن «واحدا» داخل في العشرة بقصده ، ثم أخرج ، وإلا كان مريدا بلفظ العشرة : تسعة ، وهو محال ؛
وقال القاضي عبد الجبار (٣) ، أيضا ، هو غير داخل ، لكنه قال : المستثنى ، والمستثنى منه ، وآلة الاستثناء ، بمنزلة اسم واحد ، فقولك : له عليّ عشرة إلا واحدا ، بمعنى : له علىّ تسعة ، لا فرق بينهما من وجه ، فلا دخول هناك ، ولا إخراج ؛
وهذا ، أيضا ، غير مستقيم ، لقطعنا بأن عشرة ، في كلامك هذا ، دالة على المعنى الموضوعة هي له مفردة (٤) ، بلا استثناء ، وهو الخمستان ، و «الا» ، مفيدة للاستثناء ، و «واحدا» هو المخرج ؛ و «تسعة» لا تدل على شيء من هذه المعاني الثلاثة ، وأيضا ،
__________________
(١) الآية ١٤ سورة العنكبوت ،
(٢) تفصيل الآراء النحاة في حل هذا الإشكال ،
(٣) أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد من علماء القرن الخامس وله كتاب : متشابه القرآن ،
(٤) أي مذكورة في الكلام على غير وجه الاستثناء ،