أما الوجهة الأخرى فلم تعدم أدلة أيضا وأهمها الصلة التجارية بين الأقطار التي تحت سلطته وأن تسير بحرية وأمن لم تر نظيرهما. وعدله في حكومته وبيانه أنه لم يقطع رؤوس المسلمين ويتخذ منها منارات إلا من القتلى إرهابا للناس وتخويفا وهكذا .. واحترامه للعلماء وصحبتهم .. وللصلحاء وإظهاره الحب والتكريم لهم والاستمداد بشيخه السيد بركة. وقوله للسلطان ييلديرم بايزيد العثماني حينما انتصر عليه معاتبا له : «إنك رأيت ما زرعت ، كنت أود أن أصافيك فاضطررتني للحرب كارها .. وهذه نتائج عنادك ، كنت أفكر في نصرتك لحرب أعدائك ، ولو كانت المخذولية أصابتني في حربك لرأيت وجيشي ما لا يدور في حسبان ، كن واثقا سأحتفظ بحياتك وأؤدي واجب الشكر لله» هذا وأمله أن سيكون قوة ظهر له على أعدائه وأنه ركن ركين له في حراسة مملكته من الأعداء.
وعلى كل رأى أن المملكة الإسلامية يجب أن يحكمها أمير مسلم لا أكثر وأن تتجمع القوى لتتمكن أن تقوم بما قامت به الإسلامية في أوائل أمرها ... كما أنه ندم في أواخر أيامه على ما فعل لأنه لم يتيسر له تحقيق أغراضه فعزم على الجهاد في سبيل الله ومحاربة غير المسلمين فمات في هذه الطريق ..
ومهما كانت الآمال ، أو التصاميم فقد وقع ما وقع ، وجرى ما جرى. والظاهر أنه حاول مزج الطريقة الإسلامية بشدة جنكيز في الصرامة والقطع ... يشهد بذلك وصاياه في إدارة الجيوش من غير الترك والاستفادة من مجموع قوة الكل .. وإرادة الله غالبة ، وعمل الإنسان في هذه الحياة ضئيل فيجب أن يصرف للإصلاح ، والعمارة والعدل ، ولراحة الناس واطمئنانهم وتآلفهم لا السيطرة عليهم والتحكمات المتنوعة فيهم فالطمع والحرص على ما في يد الآخرين لم يولد نتائج مرضية ... وإنما الانكشاف الفكري والمدني في الأمة من أقوى دعائم الاستقلال والعزة ...