الصوت ، يسلك الجد مع القريب والبعيد ، ولا يحب المزاح ، ويحب الشطرنج وله فيها يد طولى ومهارة زائدة وزاد فيها جملا وبغلا ، وجعل رفعته عشرة في أحد عشر بحيث لم يكن يلاعبه فيه إلا أفراد ، يقرب العلماء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم. وكانت هيبته لا تدانى .. كان ذا فكر صائب ومكائد في الحرب عجيبة ، وفراسة قل أن تخطىء ، عارفا بالتواريخ لإدمانه على سماعها ، لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفرا أو حضرا ، مغرى بمن له معرفة بصناعة ما إذا كان حاذقا فيها ... وله جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ، ويكاتبونه بجميع ما يروم ، فلا يتوجه إلى جهة إلا وهو على بصيرة من أمرها .. مات وهو متوجه لأخذ بلاد الخطا على مدينة أترار ... وبالجملة فكانت له همة عالية وتطلع إلى الملك .. والقدر الذي اقتصرت عليه هنا اعتمدت فيه ابن خطيب الناصرية وشيخنا (ابن حجر في أنبائه) ، وترجمته في عقود المقريزي نحو كراستين» ا ه (١).
وفي هذا وغيره من النصوص العديدة ما يعين خطته وأنه لم ينهج نهجا مغلوطا ولا تحرك دون حساب وأهبة للأمر ...
ويطول البحث بالكلام عليه كثيرا إلا أننا نرى محل استفادتنا في دراسة نهجه الحربي والسياسي ومعرفة التعديل في مناهج الفاتحين لإنقاذ البشرية من أوضاعها السيئة التي ولدتها آمال خسيسة والسير بها نحو الطريقة المثلى وهي طريقة الإصلاح لا التخريب ، والعمارة لا الإبادة ، والعلوم لا الجهل والسخافة ، والرأفة لا القسوة ...
__________________
(١) الضوء اللامع ج ٣ ص ٥٠ والتفصيل هناك لا يسعه هذا المقام ومثله في الأنباء ج ١.