فنهض من بغداد أيضا وسار في طريقه للمحل المطلوب. أما الأسطول فقد تحرك من الحلة إلى لواء الرماحية والسماوة ، وفي طريقه مر بنهر (أبو كلبين) ، اجتاز من صدره ، ومن هناك مضوا حتى وصلوا إلى ملتقى النهرين (دجلة والفرات) ، جاؤوا إلى محل في رأس الجزائر يقال له (صدر الدار) ، والعشائر هناك حاولوا الدفاع ، واتخذوا متاريس ، ولكنهم حينما رأوا الأسطول تركوها ومضوا إلى جهتهم. وكانوا قد ذهبوا إلى جزائر الشلب في أسفل من هذه.
ومن ثم اجتاز الجيش بسهولة ، ولم يدخل حربا. فاتصلوا حينئذ بجيش اسكندر پاشا قرب قلعة (زرتوك) ، وهناك وافت نحو ١٥٠ سفينة فالتحقت بالأسطول أيضا أتت من بغداد من طريق (دجلة) ، ومن هناك مضوا إلى الداخل إلى (صدر الدار) ، وبنو قلعتين متقابلين في كل جانب ووضعوا بهما قوة ، ثم مضوا إلى قرب (زرتوك) فبنوا قلعتين أخريين كل واحدة بجانب وهكذا مضوا إلى جزيرة مشهورة يقال لها (صدر البحران) ، وهناك تجمعت الجيوش العربية ووضعوا المتاريس فيها ، ومن ثم وبلا توقف باشروا الحرب ، ومن قواد الجيش (جانبولاد) تمكن من الوصول إلى الساحل ، هاجم هؤلاء ببسالة ، فكان إقدامه مشكورا مما أدى إلى انتصاره وتبعثر جيش العرب ، وقتل منهم ما لا يعد من النفوس. وكذا مات في هذه الحرب جملة من رجال الترك المشاهير. وبعد أن تمت الهزيمة بنيت قلاع متقابلة أيضا. وفي هذه المواطن لا يظهر البرد وفي أكثر الجزائر نشاهد القلاع مبنية مثل هذه. ولكن الحرب لم تنقطع مع العرب بل بقيت مستمرة ، لا هوادة فيها. ولما كانت عيشة العشائر على النخيل ، وما يتحصل منها ، اضطرت القوة إلى قطع هذه النخيل جميعها ، وبذلك أذعنوا وقدموا الطاعة فأظهروا أنهم يسالمون الحكومة ، ولكن لا ثبات في أقوالهم ، فلم يلتفت إلى ذلك. وكأنهم في ذلك يحاولون القضاء عليهم.