إلا تحرى ما لديه ولا شابا إلا سبر نياته ، ولا أرباب المناصب إلا أخذ من معارفهم ولا أهل التصوف إلا اقتبس منهم فحصل من المعرفة صنوفا ، ومن العلوم أنواعا فوقف على ما عند أهل الدنيا ، وما في خزائن أهل الزهد والتقوى من رجال الآخرة ...
وصل إلى استانبول فرأى فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ... وبين أنه لم يتمكن من تدوين كل ما رأى من فضل وأدب جم ، ومعرفة غزيرة. فكانت هذه ـ كما قال ـ عجالة سريعة. ونزرا قليلا تنبىء عن معين لا ينضب.
اكتسب ما اكتسبه من مجالسة الشعراء المجيدين ، والأمراء الكرام ومن معاشرة العلماء الأبرار ، ومن مصاحبة أهل الفصاحة والبلاغة من عنادل البيان ، ومن الاطلاع على أغاريدهم اللطيفة. كل ذلك بطريق المحادثات ، أو المطارحات الشعرية ، أو المذاكرات العلمية ...
وفي هذه كان طالبا متتبعا لازم القوم حتى أتقن لغتهم وتمكن أن يحذو حذوهم حتى صار كأحدهم بل صار فريدا في الشعر ...
وفي سنة ٩٧١ ه دعاه داعي الوطن وحبه من الإيمان فقال في التشوق إلى بغداد :
دلاز طوربتان روم چون عهدي پريشانست |
|
هواي ديدن بغداد وخوبان عجم دارد |
يقول إنه مغرم بجمال الروم إلا أن هوى بغداد والشوق إليها وإلى الحسن الفارسي ملك زمام لبه وأخذ بمجامع قلبه فمال به. وقال :
ـ إنني عزمت على العودة فدونت ما خطر لي من خواطر وما عن لي عن السلاطين العظام ، والعلماء الفخام ، وأرباب الدولة والشعراء الأخيار مما جرى في مجالسهم وما عرفته عنهم وما اقتبسته من صحبتهم