وكان الأولى أن يركنوا إلى الحصار ، وأن يمنعوا خروج الجيوش المحصورة ، ويقطعوا السابلة وأن لا يمدوا المحصورين استفادة من التجارب العديدة ، فلا يجازفوا بالهجوم ويخاطروا ... وكأنهم في غفلة عن المخذوليات السابقة.
لم تكن للعدو من القوة ما يكفي للحصار والمقاومة. وإنما أحكم حصاره وأبطل الألغام التي عملها العثمانيون ... وكان العجم قد عزموا على تسليم البلد ولم يجدوا وسيلة للتخلص بغير طلب الأمان. ولكن العثمانيين عجلوا.
وحينئذ قرر الإيرانيون الهجوم من جانب الثلمة التي أثرت فيها المدافع واستمروا في الدفاع بعددهم ومدافعهم وأن يحاربوا حرب المستميت ...
ولهذا أول ما قارب العثمانيون المدينة أصلوهم بنيرانهم ومنعوا العساكر العثمانية ، فقتلوا من تقدم أولا وقطعوا طريق إمدادهم ...
وعلى كل لم يتيسر الفتح. ويعزو أوليا چلبي (١) الخذلان في هذه الحرب إلى أن الجيش ربح غنائم كثيرة إلى حد الإشباع ، والأسد لا يكون مفترسا إلا إذا جاع ، فلم يهاجموا أثناء الحصار بشدة. ولكن الواقع يؤيد أن أسباب المحاصرة مكينة ، فلم يتمكنوا من اختراق الجبهة.
لم يقدر السردار على المطاولة لا سيما وقد كانت خسائره كبيرة وضائعاته عظيمة ... لم يصبر على الدوام في الحرب كما فعل حافظ أحمد باشا. ولذا قرر لزوم الرجوع باستشارة الأمراء وذلك في ٨ ربيع الأول من هذه السنة. وفي أوليا چلبي تركوا بغداد في ٢٧ صفر سنة ١٠٤٠ ه فعاد بما لديه من قوة وخيام وغيرها. وفي أثناء هذه الحرب
__________________
(١) رحلة أوليا جلبي ج ٤ ص ٤٠٣.