عنه فأمن مدلج بسبب ذلك فركب حسين في الثلج وذهب بعد أيام إلى منازل مدلج ونزل خفية حتى يدرك الليل ويدخل إلى نسائه. وكانت زوجة مدلج بنت شديد (مر ذكره) تساهر النساء وكان مدلج يدخل ثملا من الخمر فلبس حسين لباس النساء ودخل بينهن وأطال الجلوس مترقبا الفرصة في قتل ابن عمه وكانت بنت شديد زوجة لوالد حسين فبالفراسة عرفته وتحيرت بين أن تسكت فيقتل زوجها وبين أن تتكلم فيقتل ابن زوجها وإن قالت له اهرب تخاف أن يسمع زوجها فقالت في مؤخر كلامها بمناسبة لا ينبغي المخاطرة في الأمور وينبغي الاحتفاظ على النفس من القتل. فلما علم حسين أنها اطلعت عليه خرج من بين النساء هاربا. ثم وقع في خاطرها أنه ربما يقتل زوجها خارج دارها فصبرت ساعة ثم بعثت لزوجها أنني رأيت بين النساء من يشبه حسينا. وما تحققت هذا الأمر فاحتفظ على نفسك فعند ذلك بعث مدلج جماعته فوجدوا حسينا ركب فرسه وانهزم فأتبعه بالعساكر فلم يدركوه.
ثم بعد ذلك كثر أتباع حسين من العرب ووعدته طائفة ممن كانوا عند مدلج أن يتابعوه ويشايعوه فأشار إليه قوم بأن يأخذ من مراد باشا حاكم حلب عرضا في الإمارة ليتقوى من جانب السلطنة بعد ما قال له بعض العرب (إن الأروام لا وفاء لهم بالعهود) فلم يسمع وجاء إلى حلب وقدم الهدايا إلى الباشا ووعده وكتب الوزير إلى مدلج يطلب منه خمسة وعشرين ألفا ليقتل له حسينا فوعده فغدر مراد باشا بحسين ووضعه في سجن القلعة حتى جاءه المال فخنقه ثم بعث عسكره لنهب أمواله وجماعته فقاتلوهم فانهزم أتباع مراد باشا وأخذ عرب حسين جميع ما كان بيد جماعة مراد باشا حتى نزعوا ثيابهم وأدخلوهم إلى بلاد أريحا حفاة ثم إن الله سلط الوزير الحافظ حتى قتل مراد باشا (١).
__________________
(١) خلاصة الأثر ج ٢ ص ١٠٢.