وحالة كهذه في تطاحن وتنازع لا يؤمل منها فلاح ، ولا يتيسر نشاط أدبي أو علمي ، وإنما طريق النجاح معروف في استقلال المملكة وحياتها الحرة ، وهي مفقودة منها ، بل منغصة بوقائع مؤلمة تهدد الحياة بحيث لا مجال للالتفات على قاعدة «ومن نجا بنفسه فقد ربح» ، فلا مجال للأمة أن تنظر إلى حاجتها العلمية والأدبية. ولم تجد طمأنينة أو راحة.
وهذا القطر في ثقافته الحاضرة كان نتيجة عهود إسلامية عريقة في ثقافتها ، من أول الإسلام إلى أيام دخول العثمانيين العراق سنة ٩٤١ ه. خدمت بغداد الثقافة وغذتها. وخلفت ميراثا أدبيا علميا للأقطار كان من خير المواريث ، فكيف محته الحوادث ، وأبادت الكثير من آثاره؟
لا شك أن الحوادث لها دخل كبير في هذا التدمير ، وأن ضياع الاستقلال قد نقل الآثار إلى المتغلبة ، أو قضى عليها ومحاها ، فصارت نهبا بيد المتسلطين ، ولا يهمنا أثر الثقافة وتأثيرها عليهم كما لا تنكر بوجه في هذا. وكل واحدة من الدولتين تريد أن تضارع بغداد في معرفتها. وإن الوقائع الوبيلة والحوادث القاهرة قد أنست من الالتفات إلى الثقافة عندنا. وهكذا كان شأن الثروة والحضارة وسائر المؤسسات مما انتابته أيدي العدوان والكل ذو علاقة ، الأمر الذي جعلنا لا نستطيع أن نعد أدباء أو علماء كثيرين.
وأمر واحد لم يستطع هجوم المتغلبة عليه أو تخريبه أعني (الجوامع والمدارس) ، فهذه أصل (مناهج تعليمية ثابتة) ، ومؤسسات دينية لا تتناولها أيدي العدوان في الأكثر ، وإن الحرمة للمساجد ، والمدارس مرتكزة في النفوس ولكنها لم تسلم دائما بل لم يصبها الاعتداء من كل الوجوه ، ولا القضاء المبرم ، ولا تزال قائمة بالرغم مما وقع من اعتداء.
ومن مدارسنا ما قوي على الأرزاء ، وصبر على المكاره ، وبعضها