فكان لواء الحلة من آخرها. بقي فيه. فكانت شهرزور تعد من ممالك الدولة. وكانت مدينتها تدعى (قلعة زلم) (١) لمناعتها وإحكامها ، من جراء أنها جبلية ، صعبة الاجتياز ، يعسر الوصول إليها ، محاطة بالكرد من كل جانب. وفي سنة ٩٥٩ ه ظهر في أنحائها تشوش وتدخل القزلباشية. فاضطربت حالتها لما أصاب رعاياها من وقائع مؤلمة. ومن انتهاك الحرمات ما لا يوصف سواء في نفوسهم أو أموالهم فأخبر الوالي تمرد علي باشا دار السلطنة بما علم وبالتعبير الأولى أوضح اختلال حالتها ، وسهولة الاستيلاء عليها ، فكان هذا من بواعث تعيين الوالي الجديد. فوضت القيادة إلى عثمان باشا والي حلب وجهز بمقدار كبير من الينكچرية وكذا أودعت إليه قيادة سائر الجيوش من الايالات الأخرى المرسلة لهذه الغاية. وصدر الفرمان بأنه إذا افتتحها يكون أميرا عليها. استغلوا وقوع النزاع ، فقاموا بما قاموا به.
وعلى هذا سارت الجيوش من كل صوب. وبعد أن جلس الوزير في حكومة بغداد جهز جيش بغداد بعدد كاملة من مدافع وبنادق (٢) مزودين بمعدات حربية أخرى. وحينئذ ألحقهم الوالي بجيش عثمان باشا قرب شهرزور وتوالى الأمراء من كل صوب من أكراد وغيرهم وتجمعوا على المدينة فأرهبوها بمدافعهم ، وضربوا خيامهم في الأنحاء القريبة منها. فوقعت معارك دامية بين الفريقين. واشتدت نيران الحرب. وعلا صوت المدافع والبنادق ومع هذا كله لم يتيسر به الفتح فأيس القوم من الاستيلاء على المدينة لمناعتها.
__________________
(١) سماها صاحب الشرفنامة (قلعة ضلم). وجاء ذكر الجبل الذي تسمت باسمه في ياقوت الحموي في معجم البلدان بلفظ (زلم). والترك يقولون (ظالم قلعه) لما لحقهم من ضرر في حروبها فاخترنا ما نطق به جغرافيونا وعلماؤنا.
(٢) البنادق تسمى عند العوام تفك ، وتفنك والواحدة تفكة. أو تفنكة والترك يقولون (تفنك).