الهمزةَ استثقالاً لهما ، فلمّا تركوا الهمزةَ حَوّلوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف ، وذهبت الهمزةُ أصلاً فقيل : أَلِلَاه ، فحرَّكوا لامَ التعريف التي لا تكون إلّا ساكنةً ، ثم الْتَقَى لامان متحرِّكَتان فأدغَموا الأولى في الثانية ، فقالوا : الله ، كما قال الله جلّ وعزّ : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٣٨] : معناه لكنْ أنا.
ثم إن العرب لمّا سَمِعوا اللهمّ قد جرَت في كلام الخَلق توهَّمُوا أنّه إذا ألْقِيت الألفُ واللام من الله كان الباقي لاه ، فقالوا لاهُمَّ ، وأنشد :
لاهُمَ أَنْتَ تَجبُر الكَسيرا |
أنتَ وهبْت جِلَّةً جُرْجُورا |
ويقولون : لاهِ أبوك ، يريدون لله أبوك ، وهي لام التعجب يُضْمِرون قَبلها : اعجَبُوا لأبيه ما أَكْمَله ، فيَحذِفونَ لامَ التعجّب مع لام الاسم ، وأنشد لِذي الإصْبع :
لاهِ ابنَّ عمِّي ما يَخا |
فُ الحادثاتِ من العَواقبْ |
قال أبو الهيثم : وقد قالت العرب : بسم الله بغير مدّة اللام وحذفِ مَدَّةِ لاهِ ، وأنشد :
أَقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ من أَمر الله |
يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّة المُغِلَّه |
وأنشد أبو الهيثم أيضاً :
لَهِنَّكِ من عَبْسِيَّةٍ لَوَسِيمةٌ |
على هَنَواتٍ كاذبٍ من يقولُها |
إنما هو لله إنك ، فحذَف الألف واللام فقال : لاهِ إنك ، ثم ترك همزة إنك ، فقال : لَهِنَّك.
وقال الآخر :
أبائنةٌ سُعْدَى نَعَمْ وتُماضِرُ |
لَهِنَّا لمَقْضِيٌّ علينا التَّهاجُر |
يقول : لاهِ إنَّا ، فحذف مدَّة لاه ، وترك همزة إنا.
قال الفراء في قول الشاعر : لَهِنَّك ، أراد لإِنَّك ، فأبدل الهمزَة هاء ، مِثل هَراق الماء وأَراق.
قال : وأَدخَل اللام في إن لليَمِين ، ولذلك أجابَها باللام في : لَوَسِيمة.
قال أبو الهيثم : وسمعتُ الثورِيّ يقول : سمعتُ أبا زيد يقول : قال لي الكسائيّ : ألَّفتُ كتاباً في معاني القرآن ، فقلتُ له : أسمعتَ الحمدُ لَاهِ رَبِّ العالمين؟ فقال : لا. فقلت : فاسمَعْها.
قلتُ : لا يجوز في القراءة إلا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفَاتِحَة : ٢] بمدة اللام ، وإنما يقرأُ ما حكاه أبو زيد الأعرابُ ومَن لا يَعرِف سُنة القِراءة.
وقال أبو الهيثم : فالله أصلُه إلاه ، قال الله جلّ وعزّ : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) [المؤمنون : ٩١].
قال : ولا يكون إلهاً حتى يكون معبوداً وحتى يكون لعابده خالقاً ، ورازقاً ، ومدبِّراً ، وعليه مُقتدِراً ، فَمن لم يكن