وسمعتُ عُقيليّاً يقول لأمَةٍ كانت ترعَى رَوَائدَ خيل ، فجفَلت في يوم عاصف ، فقال لها : ألا وَأَهيبي بها تَرعْ إليك ، فجعل دعاءَ الخيل إهابةً أيضاً. وأما هابِ فلم أسمَعْه إلا في الْخيل دون الإبل ، وأنشد بعضهم :
والزَّجرُ هابِ وهِلَا تَرْهِبُهْ*
وقال الليث : الهَيبة إجلالٌ ومخَافة. ورجل هُيوبٌ جبانٌ يَهاب كلَّ شيء.
ورُوي عن عبيد بن عُمَير أنه قال : الإيمان هيُوب ، وله وجهان : أحدُهما : المؤمن يهابُ الذنبَ فيتَّقِيه.
والآخر : المؤمن هَيوب أي مهيوب لأنه يَهاب الله فيهابُه الناس ، أي يعظِّمون قدرَه ويُوقِّرونه.
وسمعتُ أعرابياً يقول لآخر : اعْلَق تهاب الناس حتى يهابُوك ، أَمَره بتوقير الناس ؛ كي يُوقِّروه.
أبو عبيد عن أبي عمرو : الهَوْب : الرَّجل الكثيرُ الكلام ، وجمعُه أهواب.
ثعلب ، عن ابن الأعرابي : الهيَّبان : الجبَان ، والهيَّبان : التيْس ، والهيَّبَان : الراعي ، والهَيَّبان : زَبَدُ أَفواهِ الإبل ، قال : والهيَّبان : التراب ، وأنشد :
أكلَّ يوم شِعِرٌ مستحدَثُ |
نحن إذاً في الهيَّبان نَبحثُ |
وقال ذو الرّمة يصف إبلاً أزْبَدتْ مَشافِرها ، فقال :
يظلّ اللُّغام الهيَّبان كأنه |
جَنَا عُشَرٍ تَنْفِيه أشداقُها الهُدْلُ |
وجَنا العُشَر : يخرجُ مثل رُمّانة صغيرةٍ فتنشقّ عن مِثل القَزّ ، فَشبّه لُغامَها به ، والبادية يجعلونَ جَنا العُشَر ثَقوباً يوقدون به النار.
وهب : أبو حاتم عن الأصمعيّ : تقول العرب : هَبْنِي ذَاك ، أي احسُبْني ذاك واعدُدْني. قال : ولا يقال هَبْ أَنِّي فعلتُ ذاك ، ولا يقال في الواجب : قد وَهبْتُك ، كأنها كلمة وُضِعتْ للأمر ، كما يقال ذَرْني ودَعْني ، ولا يقال : وذَرْتُك.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال : وهَبَني الله فِداك ، بمعنى جَعَلَني.
وقال شمِر : قال الفرّاء : اتَّهَبْتُ منكَ دِرْهماً : افْتَعَلْتُ من الهِبة ، وأصبَح فُلانٌ مُوهباً أي مُعدّاً.
قال : ووَهبتُ له هِبَةً وموْهِبةً ووَهْباً ووَهَباً ، إذا أعطيتَه ، واتهَبْتُ منه ، أي قَبِلتُ.
وقال الليث : تقول : وَهَب الله له الشيء ، فهو يَهَب هِبَةً ، وتَواهَبَه الناسُ بينهم ، والله الوَهّاب الوَاهِب ، وكلّ ما وُهِبَ لك من ولدٍ وغيرِه فهو مَوْهوبٌ.
ورُوي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لقد هممتُ ألّا أَتَّهِبَ إلا مِن قُرَشِيّ أو أَنْصَاريّ أو ثَقَفِيّ» قوله : لا أَتَّهِبَ ، أي أقبَل هِبةً إلا من هؤلاء.
قال أبو عُبيد : رأى النبي صلىاللهعليهوسلم جَفاءً في أخلاق البادية ، وطلباً للزيادة على ما وَهَبوا ، فخَصَّ أهلَ القُرَى العربية بقبوله الهديّة منهم دون أهلِ البادية ؛ لغَلَبة الجفاء على أخلاقهم ، وبُعدِهم من ذوي النُّهَى