عبر بالكعبة عن الحرم وهو كما روى عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الحرم كله مسجد وكذلك قوله تعالى (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) المراد به الحرم كله ومعالم الحج لأنهم منعوا بهذه الآية من الحج وقد اختلف في مواضع تقويم الصيد فقال إبراهيم يقوم في المكان الذي أصابه فإن كان في فلاة ففي أقرب الأماكن من العمران إليها وهو قول أصحابنا وقال الشعبي يقوم بمكة أو بمنى الأول هو الصحيح لأنه كتقويم المستهلكات فيعتبر الموضع الذي وقع فيه الاستهلاك ولا في الموضع الذي يؤدى فيه القيمة ولأن تخصيص مكة ومنى من بين سائر البقاع تخصيص الآية بغير دليل فلا يجوز فإن قال قائل روى عن عمر وعبد الرحمن بن عوف أنهما حكما في الظبى بشاة ولم يسئلا السائل عن الموضع الذي قتله فيه قيل له يجوز أن يكون السائل سأل عن قتله في موضع علم أن قيمته فيه شاة وأما قوله تعالى (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) فإنه قرئ كفارة بالإضافة وقرئ بالتنوين بلا إضافة وقد اختلف في تقدير الطعام فقال ابن عباس رواية إبراهيم وعطاء ومجاهد ومقسم يقوم الصيد دراهم ثم يشترى بالدراهم طعام فيطعم كل مسكين نصف صاع وروى عن ابن عباس رواية يقوم الهدى ثم يشترى بقيمة الهدى طعاما وروى مثله عن مجاهد أيضا والأول قول أصحابنا والثاني قول الشافعى والأول أصح وذلك لأن جميع ذلك جزاء الصيد فلما كان الهدى من حيث كان جزاء معتبرا بالصيد إما في قيمته أو في نظيره وجب أن يكون الطعام مثله لأنه قال (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ـ إلى قوله ـ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) فجعل الطعام جزاء وكفارة كالقيمة فاعتباره بقيمة الصيد أولى من اعتباره بالهدى إذ هو بدل من الصيد وجزاء عنه لا من الهدى وأيضا قد اتفقوا فيما لا نظير له من النعم أن اعتبار الطعام إنما هو بقيمة الصيد فكذلك فيما له نظير لأن الآية منتظمة للأمرين فلما اتفقوا في أحدهما أن المراد اعتبار الطعام بقيمة الصيد كان الآخر مثله وقال أصحابنا إذا أراد الإطعام اشترى بقيمة الصيد طعاما فأطعم كل مسكين نصف صاع من بر ولا يجزيه أقل من ذلك ككفارة اليمين وفدية الأذى وقد بيناه فيما سلف وقوله تعالى (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) فإنه روى عن ابن عباس وإبراهيم وعطاء ومجاهد ومقسم وقتادة أنهم قالوا لكل نصف صاع يوما وهو قول أصحابنا وروى عن عطاء أيضا أنه قال لكل مد يوما وما ذكره الله تعالى في هذه الآية من الهدى والإطعام والصيام فهو