(والطيبات من الرزق) قيل فيه وجهان أحدهما ما استطابه الإنسان واستلذه من المأكول والمشروب وهو يقتضى إباحة سائر المأكول والمشروب إلا ما قامت دلالة تحريمه والثاني الحلال من الرزق قوله تعالى (قل هى للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) يعنى أن الله تعالى أباحها وهي خالصة يوم القيامة لهم من شوائب التنغيص والتكدير وقيل هي خالصة لهم دون المشركين وقوله تعالى (قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق) قال مجاهد الفواحش الزنا وهو الذي بطن والتعري في الطواف وهو الذي ظهر وقيل القبائح كلها فواحش أجمل ذكرها بديا ثم فصل وجوهها فذكر أن منها الإثم والبغي والإشراك بالله والبغي هو طلب الترأس على الناس بالقهر والاستطالة عليهم بغير حق وقوله (والإثم) مع وصفه الخمر والميسر بأن فيهما إثم وقوله تعالى (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) يقتضى تحريم الخمر والميسر أيضا قوله تعالى (أدعوا ربكم تضرعا وخفية) فيه الأمر بالإخفاء للدعاء قال الحسن في هذه الآية علمكم كيف تدعون ربكم وقال لعبد صالح رضى دعاءه (إذ نادى ربه نداء خفيا) وروى مبارك عن الحسن قال كانوا يجتهدون في الدعاء ولا يسمع إلا همسا وروى أبو موسى الأشعرى قال كنا عند النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فسمعهم يرفعون أصواتهم فقال يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وروى سعد بن مالك أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال خير الذكر الخفى وخير الرزق ما يكفى وروى بكر بن خنيس عن ضرار عن أنس قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عمل البر كله نصف العبادة والدعاء نصف العبادة وروى سالم عن أبيه عن عمر قال كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لا يردهما حتى يمسح بهما وجهه قال أبو بكر في هذه الآية وما ذكرنا من الآثار دليل على أن إخفاء الدعاء أفضل من إظهاره لأن الخفية هي البر روى ذلك عن ابن عباس والحسن وفي ذلك دليل على أن إخفاء آمين بعد قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة أفضل من إظهاره لأنه دعاء والدليل عليه ما روى في تأويل قوله تعالى (قد أجيبت دعوتكما) قال كان موسى يدعو وهارون يؤمن فسماهما الله داعيين وقال بعض أهل العلم إنما كان إخفاء الدعاء أفضل لأنه لا يشوبه رياء وأما التضرع فإنه قد قيل أنه الميل في الجهات يقال ضرع الرجل يضرع ضرعا إذا مال بإصبعيه يمينا وشمالا خوفا وذلا قال ومنه ضرع الشاة لأن اللبن يميل إليه